lundi 16 mai 2011

وهستيريا العنصرية


ساراتسين وهستيريا العنصرية والعداء للمسلمين في ألمانيا

 
الإعلام الألماني كله مشغول خلال هذه الأيام بالتصريحات المثيرة للجدل والاستفزازية إزاء المسلمين المقيمين في ألمانيا وأوروبا التي أدلى بها الدكتور تيلو ساراتسين, عضو الحزب الاشتراكي الديمقراطي الألماني ووزير سابق في حكومة برلين الاشتراكية الديمقراطية وعضو هيئة رئاسة البنك الاتحادي الألماني, للدعاية لكتابه الموسوم "المانيا تنهي وجودها بنفسها" الذي صدر مؤخراً.
تجسد التصريحات ومضامين الكتاب روحاً عدائية شرسة وقاسية ضد المسلمين في ألمانيا وأوروبا وتذكر القراء بالنظريات العرقية الشعبوية المبتذلة التي روج لها النازيون الألمان بين 1933-1945 والتي يتبناها النازيون الجدد واليمين المتطرف في ألمانيا حالياً. وهو بالتالي يساهم في تنشيط روح العداء والحقد والكراهية في المجتمع الألماني والمجتمعات الأوروبية ويزيد من خطورة معاداة المسلمين الأجانب ويتخذ موقفاً مناهضاً للمجتمع المتعدد الثقافات.     
** أحكام قاسية ضد المسلمين
يعلن ساراتسين بوضوح ما يلي:
1.      إن المسلمين في ألمانيا وأوروبا لا يمتلكون القدرة على الاندماج بالمجتمع الألماني أو الأوروبي وغير راغبين بذلك وغير مستعدين للانصهار في بالمجتمع والثقافة الألمانية, وهم غير مؤهلين لذلك بسبب ثقافتهم الإسلامية أيضاً.
2.      وهم لا يسعون إلى تعلم اللغة الألمانية ونساؤهم يرتدين الحجاب الذي يتعارض مع الثقافة الألمانية, ولا هم لهن سوى الإنجاب وإنجاب بنات يرتدين الحجاب أيضاً.
3.      إن ألمانيا والدول الأوروبية المجاورة تعتمد العلمانية والديمقراطية وتحترم الإنسان, في حين أن الثقافة الإسلامية التي يأتي منها المسلمون ترفض كل ذلك ولا تمارسه.
4.      إنهم يشكلون عالة على الاقتصاد والخزينة الألمانية ويستهلكون جزءاً من الدخل القومي. إذ أن 40% منهم يعيشون على المساعدة الاجتماعية الحكومية. وبهذا فهم يستهلكون من الدخل القومي الألماني أكثر مما ينتجون.
5.      كما إنهم يتوالدون بكثافة شديدة ويكلفون الدولة أموالاً طائلة وسيغيرون التوازن السكاني بين الألمان والمسلمين بعد ثمانين عاماً. فنسبة الولادات في أوساط الترك والعرب وبقية المسلمين مثلاً هي ضعف نسبة الولادات بين الألمان.
6.      إن المسلمين واستناداً إلى ثقافتهم يعتبرون كسالى لا يحبون العمل ولا يعملون بجدية وحيوية. 
7.      إن وجودهم في ألمانيا يلحق ضرراً فاحاً بالثقافة الألمانية بسبب ثقافتهم الإسلامية العنيفة والمتخلفة, وبالتالي لا بد من إنقاذ الألمان وثقافتهم من المسلمين.
8.      ويؤكد ساراتسين بأنه لا يريد أن يرى أحفاده وأحفاد أحفاده يعيشون في بلد غالبية سكانه من المسلمين الذين يتحدثون العربية والتركية وغيرها من لغات المسلمين.
استنتاجاته ساراتسين العنصرية من تلك الظواهر
استناداً إلى تلك الظواهر الانتقائية التي يعتبرها عامة ويشترك فيها كل السملمين يستنتج ساراتسين ما يلي:
** هناك جينات يشترك فيها اليهود, وجينات غيرها يشترك فيها سكان الباسك في أسبانيا مثلاً. وهكذا الأمر مع المسلمين. وبهذا وسع وعمق ساراتسين من موضوعاته المثيرة للجدل ليشمل اليهود في ألمانيا وأوروبا أيضاً, وبهذا برز ساراتسين ضمن الجماعات المعادية للسامية, إضافة إلى  معاداته للمسلمين المقيمين في ألمانيا وأوروبا.
** أن هناك شعوباً من الناحية الجينية غبية وأخرى ذكية. وأن الشعوب الغبية لا يمكن أن تتغير وتبقى غبية وتتوارث الغباء بالولادة, والشعوب الذكية تبقى ذكية وتتوارث الذكاء بالولادة.
** هناك تمايز بيولوجي بين الفئات الاجتماعية العليا والفئات الاجتماعية الدنيا يتجلى في تباين مستوى الذكاء.
** إن المسلمين القادمين من الدول العربية وتركيا وغيرها هم من الدول الإسلامية يتسمون بضعف الذكاء أو الغباء.
** من الواجب التحكم والتأثير على الولادات عبر تشجيع الولادات في العائلات ذات المستوى الاجتماعي الرفيع وتقليصه في العائلات ذات المستوى الاجتماعي المتدني.
إن هذه رؤية عرقية صرفة وشعبوية مبتذلة وغير علمية تتطابق تماماً مع رؤية أتباع الإيديولوجية العنصرية الذين ظهروا في أوروبا منذ القرن الثامن عشر, ولكن بشكل خاص في القرن التاسع عشر والنصف الأول من القرن العشرين, وتجلى بأعنف وأخس أشكاله في الدولة الهتلرية النازية في ألمانيا حيث احتل العرب واليهود والسود أدنى درجات السلم العرقي. وجماعات غير قليلة من هؤلاء تعيش وتعمل وتفكر بهذه الطريقة في الدول الأوروبية.
** ما هي العنصرية أو العرقية؟
العنصرية أو العرقية مصطلح حديث نسبياً لظاهرة اجتماعية–سياسية-اقتصادية-ثقافية قديمة تنطلق من اعتقاد خاطئ مفاده أن البشرية تتوزع على جماعات بشرية قسمت أحياناً إلى ثلاث مجموعات هي الجنس الأبيض والجنس الأصفر والجنس الأسود, ثم قسمت إلى خمس وأحياناً سبع مجموعات كبيرة وأخرى صغيرة. وفي فترة لاحقة جرى توزيع البشر على أعراق مختلفة كالآرية والسامية والحامية. وأعتقد أصحاب هذه النظريات خطأ أن هناك تبايناً بين "الأعراق", ناشئ عن اختلافات بيولوجية, أي عن تباين في الجينات الوراثية وخصائصها المختلفة لدى الأقوام المختلفة, وتجد تعبيرها في ناحيتين عند البشر هما:
-        اختلافات في مظهر الإنسان الخارجي, مثل لون البشرة وشكل الجمجمة ولون وشكل العينين أو طبيعة الشعر ولونه؛
-        اختلافات في بنية الإنسان البيولوجية وتتجلى في خصائص محددة وثابتة لا تتغير عند البشر, ومنها قدرات الفرد العقلية أو الذهنية, وفي ذكائه وكفاءاته ومواهبه وثقافته. وتنشأ عنها سمات مختلفة أخرى تجد تعبيرها في علاقات الإنسان الاجتماعية وسلوكه وأخلاقه وتصرفاته اليومية وعواطفه ومواقفه عموماً. وينشأ عن هذه الاختلافات كما يرى العنصريون, تمايزاً في القيمة الحقيقية للمجموعات البشرية المنتسبة إلى أعراق مختلفة. ففي الوقت الذي يوجد "عرق" رفيع المستوى ومتطور ومتقدم في قدراته الفكرية والثقافية والسلوكية, توجد بجواره "أعراق" أخرى متدنية المستوى وضعيفة التطور ومحدودة في كفاءاتها الذهنية والفكرية والثقافية والسلوكية وبدائية العاطفة والجنس والتصرف. وأن هذا "التمايز الطبيعي" و "الدائم" بين "الأعراق" يفرض بدوره تمايزاً في الحالة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية, أي يفرض سيادة "العرق" الأفضل والأرقى على "الأعراق" الأخرى الأدنى مستوى". (قارن: هيثم مناع. الإمعان في حقوق الإنسان. الأهالي للطباعة والنشر التوزيع. دمشق. 2000. فقرة "العنصرية" لكاظم حبيب. ص342-349).
ومن هذا المفهوم استقى هتلر تقسيمه للبشرية إلى ثلاث مجموعات هي:
    1)  العِرق المبدع والخالق للحضارة والثقافة في العالم؛ 2) والعِرق الناقل لتلك الحضارة؛ 3)
والعرق المستهلك والمدمر لتلك الحضارة. ويعتبر جمهرة كبيرة من الشعوب, ومنها شعوب الشرق الأوسط من الشعوب المستهلكة والمدمرة للحضارة التي لا تنفقع البشرية كثيراً.
إن هذه الاتجاهات الفكرية التي يتبناها ساراتسين هي التي نشطت معاداته للمسلمين من عرب وترك وكرد وأفغان وباكستانيين وغيرهم في ألمانيا وفي أوروبا وكذلك ضد اليهود, إذ أنه يرى فيهم خطراً على الجنس الألماني الأذكى والأرقى وعلى ثقافته الحية.
** ماذا يقترح ساراتسين؟
إن العداء للمسلمين يتجلى في مقترحاته التالية:
·         ضرورة إيقاف قبول اللاجئين والقادمين الأجانب من الدول الإسلامية إلى ألمانيا وأوروبا.
·         إخراج الكثير من الموجودين, وخاصة الذين يرتكبون مخالفات وجرائم لكي تقل مشاكل المجتمع الألماني.
·         تقليص المساعدة الاجتماعية التي تدفعها الدولة للأجانب إلى الحد الأدنى الذي لا يزيد عن 4,50 يورو باليوم, فالمبلغ كاف لتغذيتهم اليومية!
·         تفضيل الألمان في فرص العمل, إذ أن المسلمين ينافسون الألمان العاطلين.
·         ولكن الأسوأ من كل ذلك هو إثارته العداء الحقيقي والكراهية والخوف لدى الألمان ضد المسلمين في ألمانيا وضد من هم ألمان من اصل عربي أو كردي أو تركي أو جميع أتباع الدين الإسلامي أساساً دون تمييز بينهم.
·         ثم يخلص إلى نتيجة خطرة ومثيرة للشعور القومي اليميني المتطرف في ألمانيا مستنداً في لكل على ما ورد في صحيفة "حريت" التركية بقولها: إن ما لم يحققه سليمان القانوني من نجاح عند حصار فيينا في العام 1529, سيحققه الأتراك من خلال الولادات وتغيير البنية السكانية في ألمانيا لصالح المسلمين.
·         إن الخطأ الكبير الذي يرتكبه ساراتسين هو تعميم الظواهر السلبية على كل المسلمين دون تمييز لكي يخرج بتلك الاستنتاجات العنصرية المقيتة والتي تسيء إلى سمعة ألمانيا.
·         يعتمد ساراتسين على إحصائيات غير دقيقة وعلى نظريات مبتذلة أو شاخت حقاً, كما في بعض استنتاجات داروين مثلاً أو مسألة الجينات, في حيت تبلورت نظريات علمية جديدة لم يرجع إليها.
هذه هي الرؤية التي يطلق عليها أسلام فوبيا, ويروج لها العنصريون بترويج الخشية أو الرعب من المسلمين السيئين على وطن وثقافة وتقاليد الألمان وعلى دينهم أيضاً.
** ما الصحيح في فكر ساراتسين
ليس كل ما يعرضه ساراتسين في كتابه خاطئ, بل يتضمن بعض الأوصاف الصحيحة لنسبة قليلة من المسلمين القادمين من مختلف الدول إلى ألمانيا وأوروبا في ظروف وفترات مختلفة, بما فيها الحروب الأهلية, ومن بيئات ومستويات ثقافية مختلفة. فهناك موضوع اللغة أو اعتماد القادمين على المساعدة الاجتماعية أو بروز ظواهر العنف والحجاب أو جرائم القتل لغسل الشرف بين المسلمين أو التهرب من العامل والتحايل والعمل في المخدرات! والمشكلة ليست في صحتها, فهي صحيحة بنسبة معينة من المسلمين, بل المشكلة في تعميمها والاستنتاجات الجارحة والعنصرية التي يخرج بها من دون أن يسعى إلى تقديم الحلول العملية لمعالجة تلك المشكلات التي وضع اليد على بعضها. ولم يقم بذلك حين كان وزيراً للمالية في حكومة تحالف حزبي اليسار والاشتراكي الديمقراطي, بل رفض تقديم الأموال الضرورية لدعم جهود تطوير دمج المسلمين في المجتمع الألماني.
إن كل ذلك قد أثار غضب الكثير من المسؤولين الألمان من مختلف الأحزاب السياسية, بمن فيهم الحزب الديمقراطي المسيحي والديمقراطي الحر واليسار الألماني ومستشارة ألمانيا أنجيلا ميركل, إضافة إلى الحزب الاشتراكي الديمقراطي ورئيسه السيد سيگمار گابرئيل, الذي قم مذكرة لطرده من الحزب بعد تنظيم حوار وحساب معه بشأن إدعاءاته, إضافة إلى إنه يُعتبر استفزازاً وإهانة مباشرة لعدد كبير جداً من المسلمين في ألمانيا. لقد وجدت تصريحات گابرئيل صدى عدم تأييد في صفوف اليمين الألماني. فحسب استطلاع الرأي الذي أجرته مؤسسة Emnid تبين أن 51% من الألمان يتعاطفون معه, في حين إن 39% كانوا ضد اتهاماته الموجهة للمسلمين في ألمانيا. ولكن 69 % من الألمان يرون صواب إثارته للمشكلة ومناقشتها, في حين رأي 22% فقط أنه كان من الأفضل أن يغلق فمه.     
وكانت الصحافة الديمقراطية قد كتبت الكثير من المقالات التي تفضح فيه فكر وسياسة تيلو ساراتسين ووضعته على مقربة أو في خانة النازيين الجدد والمعادين للأجانب ومن حملة الفكر العنصري لما يحمله هذا الفكر من إساءة صارخة وأحكام نمطية مسبقة الصنع ومخاطر جدية على العيش بسلام بين مكونات المجتمع الألماني.
لا شك في أن هناك من الأجانب المسلمين الذين لا يحترمون الثقافة الألمانية أو التقاليد والعادات الألمانية أو يمارسون الكثير من التجاوز على القوانين المرعية أو يتعاطون ويعملون في بيع المخدرات أو العهر النسائي وغيرها من المسائل المرفوضة اجتماعياً, وبعضهم نزيل السجون. ولكن هذه الظاهرة السلبية محدودة جداً, كما لا تقتصر على المسلمين الأجانب من عرب أو ترك أو غيرهم, بل تشمل أوساطاً ألمانية وأوروبية أخرى, وبالتالي فأن هذا الحقد الذي يملأ صدر ساراتسين غير موجه ضد الأجانب عموماً, بل ضد المسلمين أساساً فهو يعاني من "إسلام فوبيا" أو "الخشية أو الرعب من الإسلام" ويريد نشر هذا الخوف على نطاق ألمانيا والألمان جميعاً.
وفي الوقت الذي خرجت مظاهرات من الأجانب والألمان ضد تصريحات وكتاب هذا الرجل, الذي نفذ ولم ينزل بعد في الأسواق, وتطالب بطرده من الحزب الاشتراكي الألماني, خرجت مظاهرات يمينية متطرفة ونازية جديدة مؤيدة له. إن تصريحات وكتابات ساراتسين الجديدة تريد أن تبعث من جديد أفكار هتلر وغوبلز المقبورة والتي لا يمكن أن يكون لها مكان في أوروبا القرن الحادي والعشرين. ولكن لا تزال الأرضية القومية التي نبتت عليها العنصرية والفاشية تحتاج إلى المزيد من العمل لحرثها وإزالة الجذور الشوفينية المتبقية.
ونحن في الدول العربية والإسلامية ومنطقة الشرق الأوسط واجهنا ونواجه قوى شوفينية وعنصرية غير قليلة يفترض التصدي لها لما يمكن أن تجلبه على الناس من كوارث. وفي العراق عرفنا عواقب الشوفينية والعنصرية والتعريب القسري والتهجير والتمييز بين البشر بأجلى معانيها حين وصل البعثيون في المرتين إلى السلطة, وحين تسلم صدام حسين الحكم المطلق ومارس الاستبداد والقسوة والعنصرية والتي تجلت في مجزرة حلبچة وجرائم الإبادة الأنفالية ضد الإنسانية, ضد الشعب الكردي, في إقليم كُردستان العراق التي يندى لها جبين البشرية. ولهذا يدرك العراقيون, من عرب وكرد وبقية القوميات, ماذا تعني ممارسة سياسات الشوفينية والعنصرية حين تبرز من جديد في الدول الأوروبية, إذ أنها تذكر بتاريخ ألمانيا الهتلرية الأسود وعواقب الحرب العالمية الثانية وعشرات الملايين من البشر الذين فقدوا حياتهم فيها وفي المعتقلات النازية المريعة. ولا بد من الإشارة إلى أن هذه القوى لا حظ لها من النجاح في ألمانيا وأوروبا بعد أن تسببت في حربين عالميتين راح ضحيتها ما يقرب من 40 مليون إنسان وبسبب وجود قوى ديمقراطية في ألمانيا وأوروبا والعالم تتصدى لمثل هذه الاتجاهات العنصرية والنازية الجديدة الخطرة. ومع ذلك لا يحق للقوى الديمقراطية أن تنسى مخاطر الذهنية القومية الشوفينية التي يمكن أن تتفاقم بسرعة حين بروز شخص مثل ساراتسين أو يملك كارزما خاصة ومؤثرة في الناس.
  
برلين, أيلول/سبتمبر 2010                    

  كاظم حبيب    
نشر المقال في مجلة گولان/أربيل
في 28/9/2010

 

أ. د. كاظم حبيب

ساراتسين وهستيريا العنصرية والعداء للمسلمين في ألمانيا

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire