mercredi 29 août 2012

محاسن الإسلام | /بر الوالدين



إن الحمد لله تعالى، نحمده، ونستعين به، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهدِ الله تعالى فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له؛ وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، وبعد:
فإن فضل الوالدين كبيرٌ، وإحسانَهما سابقٌ وعظيمٌ، وكلُّنا يذكر رعايتَهما له حالَ الصغر وضعفِ الطفولة.
تعريف بر الوالدين:
(وبر الوالدين يعني: الاعتناء بأمرهما، والقيام بمصالحهما من قضاء دين، وخدمة، ونفقة، وغير ذلك من أمور الدين والدنيا)( 1). وحقُّ الوالدين في هذا البر باقٍ، ومصاحبتُهما بالمعروف واجبةٌ، حتى وإن كانا كافرَيْنِ، فلا يختصُّ برُّهما بكونهما مسلمَيْنِ، بل يجب برُّهما وإن كانا كافرَيْنِ، فعن أسماء بنت أبي بكر م قالت: قَدِمت عليّ أمي وهي مشركة في عهد قريش إذ عاهدهم، فاستفتيت النبي ج فقلت: يا رسول الله! إن أمي قدمت عليّ وهي راغبة أفأصِلها؟ قال: «نعم، صلي أمك»( 2). 
حث الإسلام على بر الوالدين:
إنَّ برَّ الوالدَيْنِ من آكدِ وأعظمِ حقوق العبادِ التي أمرَ اللهُ سبحانه وتعالى برعايتِها، حيثُ جعله اللهُ عز و جل في المرتبة التي تلي حقَّه سبحانه وتعالى في التوحيد،في عدة مواضع من كتابه الكريم.
قال سبحانه: ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾( 3) 
وقال سبحانه: ﴿وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾(4 ).
وقال سبحانه: ﴿وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾( 5).
بل تبرُّهما، وتحسن إليهما، حتى ولو أمراك بالكفر بالله وألزماك بالشرك به عز و جل، قال تعالى: ﴿وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ (14) وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾( 6). 
قال ابن كثير رحمه الله: «أي: إن حرصا عليك كل الحرص على أن تتابعهما على دينهما فلا تقبل منهما ذلك، ولا يمنعك ذلك من أن تصاحبهما في الدنيا معروفًا، أي: محسِنًا إليهما»(7 ).
فإذا كان هذا هو موقف الإسلام من برِّ الوالدين، حيث أمرَ بمصاحبَة هذَيْنِ الوالدَيْنِ بالمعروف مع هذا القبح العظيم الذي يأمران ولدهما به - وهو الإشراك بالله سبحانه وتعالى -، فما الظن بالوالدين المسلمين لا سيما إنْ كانا صالحَيْنِ؟!
تالله إن حقَّهما لمن أشدِّ الحقوق وآكدِها، وإن القيامَ به على وجهه أصعبُ الأمور وأعظُمها، فالموفَّق من هُدي إليها، والمحروم كلَّ الحرمان من صُرِف عنها. 
فضل بر الوالدين:
بر الوالدين سنة الأنبياء:
بر الوالدين من صفات الأنبياء عليهم اسلام، وقد أمرنا سبحانه وتعالى في كتابه العظيم أن نقتدي برسله الكرام، فقال عز و جل: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ﴾( 8)، فرُسل الله سبحانه وتعالى وأنبياؤه بررة بوالديهم، وقد حكى الله عز و جل ذلك عنهم في كتابه الكريم، فقال:
يقول نوح عليه السلام: ﴿رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَارًا﴾( 9).
ويقول إبراهيم عليه السلام: ﴿رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ﴾( 10)، ولما هدد آزر ابنه إبراهيم عليه السلام وقال له: ﴿أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آَلِهَتِي يَا إِبْرَاهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا﴾، كان جواب إبراهيم عليه السلام: ﴿قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا﴾( 11).
وهذا إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام يضرب أروع أمثلة البر في تاريخ البشرية؛ وذلك عندما قال له أبوه: ﴿يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى﴾. فماذا كان رد ذلك الولد الصالح؟! قال كما أخبر الله سبحانه وتعالى عنه: ﴿يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ﴾( 12). 
ويقول عز و جل عن يحيى عليه السلام: ﴿وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّارًا عَصِيًّا﴾( 13).
ويقول عيسى عليه السلام: ﴿وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا﴾( 14).
وهذا سيد الأنبياء وخاتمهم صلى الله عليه و سلم زار قبر أمه، فبكى وأبكى من حوله، ثم قال: «استأذنت ربي في أن أستغفر لها فلم يُؤذن لي، واستأذنته في أن أزور قبرها فأذن لي»( 15).
وقال أبو الطفيل رضي الله عنه: رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقسم لحمًا بالجعرانة - وأنا غلامٌ شابٌّ -، فأقبلتِ امرأةٌ، فلما رآها رسول الله صلى الله عليه و سلم بسط لها رداءه فقعدتْ عليه فقلت: من هذه؟ قالوا: «أمّه التي أرضعته»( 16). 
قرن الله عز و جل بر الوالدين بالتوحيد:
حيث جعله الله في المرتبة التي تلي حقه سبحانه في التوحيد، فقا سبحانه وتعالى: ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾ ( 17)، وقال سبحانه: ﴿وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾( 18)، وقال تعالى: ﴿وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾(19 ).
لذا فإن رضا الرب من رضا الوالدين: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: «رضا الرب في رضا الوالد، وسخط الرب في سخط الوالد»( 20).
بر الوالدين مقدَّم على الجهاد في سبيل الله عز و جل:
الذي هو ذروة سنام الإسلام، فعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: جاء رجل إلى النبي يستأذنه في الجهاد فقال صلى الله عليه و سلم: «أحيّ والداك؟» قال: نعم، قال: «ففيهما فجاهد»( 21)، فالابن إذا أبلغ جهده في برّهما والإحسان إليهما، وآثر هواهما على هواه؛ فإنّ ذلك يقوم مقام قتال العدو( 22).
بر الوالدين يستمرّ في ذرية الإنسان وعقبِه من بعده:
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: «بروا آباءكم تبركم أبناؤكم، وعِفّوا تعِف نساؤكم»( 23).
بر الوالدين من أفضل الأعمال:
عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: سألتُ رسول الله صلى الله عليه و سلم: أي العمل أحب إلى الله؟ قال: «الصلاة على وقتها»، قلت: ثم أي؟ قال: «بر الوالدين»، قلت: ثم أي؟ قال: «الجهاد في سبيل الله»(24 ).
بر الوالدين تفريجُ الكربات وإجابةُ الدعوات:
فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول: «انطلق ثلاثةُ رهطٍ ممن كان قبلَكم، حتى أواهم المبيتُ إلى غارٍ فدخلوه، فانحدرتْ صخرةٌ من الجبلِ فسدّتْ عليهمُ الغارَ، فقالوا: إنه لا ينجيكم من هذه الصخرة إلا أن تدعوا اللهَ بصالح أعمالكم، فقال رجلٌ منهم: اللهم كان لي أبوانِ شيخانِ كبيرانِ، وكنتُ لا أَغْبِقُ قبلهما أهلاً ولا مالاً، فنأى بي في طلبِ شيءٍ يومًا، فلم أرح عليهما حتى ناما، فحلبتُ لهما غَبُوقَهما فوجدتهما نائمين، وكرهت أن أَغبق قبلهما أهلاً أو مالاً، فلبثت - والقَدَحُ على يدي - أنتظر استيقاظهما، حتى برق الفجر فاستيقظا فشربا غبوقهما، اللهم إن كنتُ فعلتُ ذلك ابتغاء وجهك ففرِّج عنا ما نحن فيه من هذه الصخرة، فانفرجت شيئًا لا يستطيعون الخروج»( 25).
بر الوالدين سعة الرزق وطول العمر:
فعن أنس رضي الله عنه مرفوعًا: «من سره أن يبسط عليه رزقه ويُنسأ في أثره فليصل رحمه»( 26)، وبر الوالدين أعظم صور صلة الرحم.
 أضرار عقوق الوالدين:
إنّ العقوق ضد البر، قال ابن منظور - رحمه الله – في تعريفه: «عق والده يعقه عقا وعقوقا ومعقة: شق عصا طاعته، وعق والديه: قطعهما ولم يصل رحمه منهما»( 27). وقال: «وفي الحديث: «أنه صلى الله عليه و سلم نهى عن عقوق الأمهات»(28 )، وهو ضد البر، وأصله من العق: الشق والقطع»( 29)، ومن أضرار العقوق ما يلي:
العقوق من كبائِر الذنوب:
فكما جمع صلى الله عليه و سلم بين البرِّ وبين التوحيد، كذلك فإن العقوق قرينُ الشرك بالله، ففي الحديث يقول صلى الله عليه و سلم: «أكبرُ الكبائر: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وقتلُ النّفس، واليمين الغموس»( 30)، فجعل عقوقَ الوالدين قرينًا للشّرك، يدلّ على دناءة النّفس وخسّة الخلُق وضعفِ المروءة وقلّة الحياء وانعدامِ الوفاء، فأين يُرجى من العاقّ خيرٌ؟!
أنه مانعٌ من تحقيق التوحيد:
فيُروَى أنَّه كان في عهدِ النبيّ صلى الله عليه و سلم رجلٌ شابٌّ كان عاقًّا لأمّه مقدِّمًا عليها زوجتَه، وأنّه حضرتْه الوفاةُ، وأنّه عُرِض عليه «لا إله إلا الله»، فانغلق لسانُه عن النطق بها، فأخبِر النبيُّ صلى الله عليه و سلم بحاله، فجاء وقال: «هل له من أمٍّ؟» قالوا: نعم، امرأةٌ كبيرةٌ، فجاءت تتّكئ على عكّازة لها، فقال: «يا هذه، لو أوقدتُ نارًا وأدخلتُ ابنَك فيها ما تودّين؟» قالت: يا رسول الله! ولدي، لا أريد له ذلك، قال: «إنّ عقوقَه بك منَعه أن ينطِق بكلمة التّوحيد»، فقالت: أشهِدُ اللهَ وأشهِدُك أنّي قد أبَحتُه من حقّي كلّه، فرزقه الله صلى الله عليه و سلم فنطق بالتوحيد(31 ). 
التعرض لدعاء النبي صلى الله عليه و سلم على العاقِّ بالخسران:
فقد قال صلى الله عليه و سلم: «رغم أنفه، ثم رغم أنفه، ثم رغم أنفه من أدرك أبويه عند الكبر - أحدهما أو كلاهما - فلم يدخل الجنة»( 32). وهذا فيه حثٌّ على بر الوالدين، وعظم ثوابه. ومعناه: أن برهما عند كبرهما وضعفهما بالخدمة والنفقة، سببٌ لدخول الجنة، فمن قصّر في ذلك فاته دخولُ الجنَّة وأرغم اللهُ أنفَه وكسرها( 33).
العقوبة العاجلة للعاق:
فعن أبي بكرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: «ما من ذنب أحرى أن يعجل لصاحبه العقوبة في الدنيا مع ما يُدّخر له في الآخرة من: البغي، وقطيعة الرحم»( 34).
ومن ذلك التعرض للعن: كما قال صلى الله عليه و سلم: «ملعونٌ من عقَّ والدَيْهِ»( 35).
الخسران المبين في الآخرة:
عن ابن عمر رضي الله عنهما عن الرسول صلى الله عليه و سلم قال: «ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة: العاق لوالديه، ومدمن خمر، والمنان بعطائه، وثلاثة لا يدخلون الجنة: العاق لوالديه، والديوث، والرجلة»( 36).
ومن ذلك الحرمان من الجنة: إن الأحاديث كثيرةٌ مستفيضةٌ في تغليظ عقوق الوالدين، ولو لم يكن في ذلك إلا تحريمُ الجنة على العاق - نعوذ بالله من الخسران - لكفى، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: «لا يدخلُ الجنةَ قاطعُ رحمٍ»(37 ).
من مظاهر عقوق الوالدين: 
عقوق الوالدين يأخذ مظاهرَ عديدة، وصورًا شتى، منها ما يلي(38 ): 
1- إبكاء الوالدين وتحزينهما: سواء بالقول أو الفعل، أو بالتسبب في ذلك. 
2- نهرهما وزجرهما: وذلك برفع الصوت؛ والإغلاظ عليهما بالقول، قال سبحانه: ﴿فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا﴾.
3- التأفف والتضجر من أوامرهما: وهذا مما أدبنا الله عز و جل بتركه؛ فكم من الناس من إذا أمر عليه والداه صدر كلامه بكلمة «أف» ولو كان سيطيعهما، قال سبحانه وتعالى: ﴿فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ﴾(39 ). 
4- العبوس وتقطيب الجبين أمامهما: فبعض الناس تجده في المجالس بَشُوشًا مبتسمًا، حسن الخلق، ينتقي من الكلام أطايبه، ومن الحديث أعذبه؛ فإذا ما دخل المنزل وجلس بحضرة الوالدين انقلب ليثًا هصورًا لا يلوي على شيء، فتبدلت حاله، وذهبت وداعته، وتولت سماحته، وحلت غلظته وفظاظته وبذاءته، يصدق على هذا قول القائل( 40): 
مِنَ النَّاسِ مَنْ يَصِلُ الْأَبْعَدِينَ 
وَيَشْقَى بِهِ الْأَقْرَبُ الْأَقْرَبُ 
5- النظر إلى الوالدين شزرا: وذلك برمقهما بحنق والنظر إليهما بازدراء واحتقار، قال معاوية بن إسحاق عن عروة بن الزبير قال: «ما بر والده من شد الطرف إليه»( 41).
6- الأمر عليهما: كمن يأمر والدته بكنس المنزل، أو غسل الثياب، أو إعداد الطعام؛ فهذا العمل لا يليق خصوصًا إذا كانت الأم عاجزةً أو كبيرةً أو مريضةً، أما إذا قامت الأم بذلك بطوعها وبرغبة منها وهي نشطة غير عاجزة فلا بأس في ذلك، مع مراعاة شكرها والدعاء لها. 
7- انتقاد الطعام الذي تعده الوالدة: وهذا العمل فيه محظوران، أحدهما: عيب الطعام، وهذا لا يجوز؛ لأن الرسول صلى الله عليه و سلم «ما عاب طعاما قط، إن أعجبه أكل، وإلا تركه»(42 ). والثاني: أن فيه قلة أدب مع الأم وتكديرًا عليها. 
8- ترك مساعدتهما في عمل المنزل: سواء في الترتيب والتنظيم، أو في إعداد الطعام، أو غير ذلك، بل إن بعض الأبناء - هداهم الله سبحانه وتعالى - يعد ذلك نقصًا في حقه وهضمًا لرجولته، وبعض البنات - هداهن الله سبحانه وتعالى - ترى أمها تعاني وتكابد العمل داخل المنزل فلا تعينها، بل إن بعضهن تقضي الأوقات الطويلة في محادثة زميلاتها عبر الهاتف، تاركة أمها تعاني الأمرّين. 
9- الإشاحة بالوجه عنهما إذا تحدثا: وذلك بترك الإصغاء إليهما، أو المبادرة إلى مقاطعتهما أو تكذيبهما، أو مجادلتهما، والاشتداد في الخصومة والملاحاة معهما، فكم في هذا العمل من تحقير لشأن الوالدين، وكم فيه من إشعار لهما بقلة قدرهما. 
10- قلة الاعتداد برأيهما: فبعض الناس لا يستشير والديه ولا يستأذنهما في أي أمر من أموره، سواء في زواجه أو طلاقه، أو خروجه من المنزل والسكنى خارجه، أو ذهابه مع زملائه لمكان معين، أو نحو ذلك.
11- ترك الاستئذان حال الدخول عليهما: وهذا مما ينافي الأدب معهما، فربما كانا أو أحدهما في حالة لا يرضى أن يراه أحد عليها. 
12- إثارة المشكلات أمامهما: سواء مع الإخوان أو الزوجة، أو الأولاد أو غيرهم، فبعض الناس لا يطيب له معاتبة أحدٍ من أهل البيت على خطأ ما إلا أمام والديه، ولا شك أن هذا الصنيع مما يقلقهما ويقض مضجعهما. 
13- ذم الوالدين عند الناس والقدح فيهما، وذكر معايبهما: فبعض الناس إذا أخفق في عمل ما - كأن يخفق في دراسته مثلا - ألقى باللائمة والتبعة على والديه، ويبدأ يسوغ إخفاقه ويلتمس المعاذير لنفسه بأن والديه أهملاه ولم يربياه كما ينبغي، فأفسدا عليه حياته وحطما مستقبله، إلى غير ذلك من ألوان القدح والعيب. 
14- شتمهما ولعنهما: إما مباشرة أو بالتسبب في ذلك؛ كأن يشتم الابن أبا أحد من الناس أو أمه، فيرد عليه بشتم أبيه وأمه، فعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال: «من الكبائر شتم الرجل والديه». قيل: وهل يشتم الرجل والديه؟! قال: «نعم ! يسب أبا الرجل فيسب أباه، ويسب أمه فيسب أمه»( 43).
15- إدخال المنكرات للمنزل: كإدخال آلات اللهو والفساد للبيت، مما يتسبب في فساد الشخص نفسه، وربما تعدى ذلك إلى فساد إخوته وأهل بيته عمومًا، فيشقى الوالدان بفساد الأولاد، وانحراف الأسرة. 
16- مزاولة المنكرات أمام الوالدين: كشرب الدخان أمامهما، أو استماع آلات اللهو بحضرتهما، أو النوم عن الصلاة المكتوبة، ورفض الاستيقاظ لها إذا أيقظاه، وكذلك إدخال رفقة السوء للمنزل؛ فهذا كله دليل على التمادي في قلة الحياء مع الوالدين. 
17- تشويه سمعة الوالدين: وذلك باقتراف الأعمال السيئة والأفعال الدنيئة التي تخل بالشرف وتخرم المروءة، وربما قادت إلى السجن والفضيحة، فلا شك أن هذا من عقوق الوالدين؛ لأنه يجلب لهما الهم والغم والخزي والعار. 
18- إيقاعهما في الحرج: كحال من يستدين أموالا ثم لا يسددها، أو يقوم بالتفحيط، أو يسيء الأدب في المدرسة؛ فتضطر الجهات المسئولة إلى إحضار الوالد في حالة فقدان الولد أو إساءته للأدب، وربما أوقف الوالد ريثما يسدد الولد دينه، أو يحضر ويسلم نفسه. 
19- المكث طويلا خارج المنزل: وهذا مما يقلق الوالدين ويزعجهما على الولد، ثم إنهما قد يحتاجان للخدمة، فإذا كان الولد خارج المنزل لم يجدا من يقوم على خدمتهما. 
20- الإثقال عليهما بكثرة الطلبات: فمن الناس من يثقل على والديه بكثرة طلباته، مع أن الوالدين قد يكونان قليلي ذات اليد، ومع ذلك ترى الولد يلح عليهما بشراء سيارة له، وبأن يزوجاه، ويوفرا له مسكنًا جديدًا، أو بأن يطلب منهما مالاً كثيرًا؛ كي يساير زملاءه وأصدقاءه. 
21- إيثار الزوجة على الوالدين: فبعض الناس يقدم طاعة زوجته على طاعة والديه، ويؤثرها عليهما، فلو طلبت منه أن يطرد والديه لطردهما ولو كانا بلا مأوى، وترى بعض الأبناء يبالغ في إظهار المودة للزوجة أمام والديه، وتراه في الوقت نفسه يغلظ على والديه، ولا يرعى حقهما. 
22- التخلي عنهما وقت الحاجة أو الكبر: فبعض الأولاد إذا كبر وصار له عمل يتقاضى مقابله مالاً تخلى عن والديه، واشتغل بخاصة نفسه. 
23- التبرؤ منهما، والحياء من ذكرهما ونسبته إليهما: وهذا من أقبح مظاهر العقوق، فبعض الأولاد ما إن يرتفع مستواه الاجتماعي، أو يترقى في الوظائف الكبيرة إلا ويتنكر لوالديه، ويتبرأ منهما، ويخجل من وجودهما في بيته بأزيائهما القديمة، وربما لو سئل عنهما لقال: هؤلاء خدم عندنا! وبعضهم يرفض أن يذكر اسم والده في الولائم والمناسبات العامة؛ خجلاً من ذلك! وهذا العمل - بلا ريب - دليل على ضعة النفس، وصغر العقل، وحقارة الشأن، وضيق العطن، وإلا فالنفس الكريمة الأبية تعتز بمنبتها وأصلها، والكرام لا ينسون الجميل. 
إن الكرام إذا ما أيسروا ذكروا 
من كان يألفهم في المنزل الخشن( 44) 
24- التعدي عليهما بالضرب: وهذا العمل لا يصدر إلا من غلاظ الأكباد وقساة القلوب الذين خلت قلوبهم من الرحمة والحياء، وخوت نفوسهم من أدنى مراتب المروءة والنخوة والشهامة.
25- إيداعهم دور العجزة والملاحظة: وهذا الفعل غاية في البشاعة، ونهاية في القبح والشناعة، يقشعر لهوله البدن، ويقف لخطبه شعر الرأس، والذي يفعله لا خير فيه البتة. 
26- هجرهما، وترك برهما ونصحهما إذا كانا متلبسين ببعض المعاصي: وهذا خلل وخطل؛ فبر الوالدين واجب ولو كانا كافرين، فكيف إذا كانا مسلمين، وعندهما بعض التقصير؟ ! 
27- البخل والتقتير عليهما: فمن الناس من يبخل على والديه، ويقتر عليهما في النفقة. وربما اشتدت حاجتهما إلى المال، ومع ذلك لا يعبأ ولا يبالي بهما. 
28- المنة على الوالدين: فمن الناس من قد يبر والديه، ولكنه يفسد ذلك بالمن والأذى، وذكر ذلك البر بمناسبة وبدون مناسبة. 
29- السرقة من الوالدين: وهذا الأمر جمع بين محذروين، السرقة والعقوق؛ فتجد من الناس من يحتاج للمال، فيقوده ذلك إلى السرقة من والديه إما لكبرهما، أو لغفلتهما، ومن صور السرقة أن يخدع أحد والديه، فيطلب منه أن يوقع على إعطائه كذا وكذا من المال أو الأرض أو نحو ذلك، وقد يستدين منهما، وهو مبيت النية على ألا يسدد. 
30- الأنين وإظهار التوجع أمامهما: وهذا الأمر من أدس صور العقوق؛ ذلك أن الوالدين - وخصوصًا الأم - يقلقان لمصاب الولد، ويتألمان لألمه؛ بل ربما يتألمان أكثر منه. 
31- التغرب عن الوالدين دون إذنهما، ودون الحاجة إلى ذلك: فبعض الأبناء لا يدرك أثر بعده عن والديه؛ فتراه يسعى للغربة والبعد عن الوالدين دون أن يستأذنهما ودون أن يحتاج إلى الغربة؛ فربما ترك البلد الذي يقطن فيه والداه دون سبب، وربما تغرب للدراسة في بلد آخر مع أن تلك الدراسة ممكنة في البلد الذي يسكن فيه والداه إلى غير ذلك من الأسباب التي لا تسوغ غربته، وما علم أن اغترابه عن والديه يسبب حسرتهما، وقلقهما عليه، وما علم أنه ربما مات والداه أو أحدهما وهو بعيدٌ عنهما باختياره؛ فيخسر بذلك برهما، والقيام عليهما، أما إذا احتاج الابن إلى الغربة، واستأذن والديه فيها فلا حرج عليه في ذلك إن شاء الله عز و جل. 
32- تمني زوالهما: فبعض الأولاد يتمنى زوال والديه؛ ليرثهما إن كانا غنيين، أو يتخلص منهما إن كانا مريضين أو فقيرين، أو لينجو من مراقبتهما ووقوفهما في وجهه كي يتمادى في غيه وجهله. 
33- قتلهما والتخلص منهما: فقد يحصل أن يشقى الولد، فيقدم على قتل أحد والديه؛ إما لِسَوْرَةِ جهل أو ثورة غضب، أو أن يكون في حال سكر، أو طمعا في الميراث، أو غير ذلك، فيا لشؤم هذا، ويا لسواد وجهه، ويا لسوء مصيره وعاقبته، إن لم يتداركه الله عز و جل برحمته. 
هذه بعض المظاهر والصور لعقوق الوالدين، ذلك العمل القبيح، والمسلك الشائن، الذي لا يليق بأولي الألباب، ولا يصدر من أهل التقى والصلاح والرشاد، فما أبعد الخير عن عاق والديه، وما أقرب العقوبة منه، وما أسرع الشر إليه، وهذا أمر مشاهد محسوس، يعرفه كثير من الناس، ويرون بأم أعينهم، ويسمعون قصصًا متواترةً لأناس خذلوا وعوقبوا؛ بسبب عقوقهم لوالديهم. 
الأمور المعينة على البر:
بدا لنا فيما سبق أن بر الوالدين نعمة من الله عز و جل يمن بها على من يشاء من عباده، وهناك أمور تعين الإنسان على بر والديه، إذا أخذ بها، وسعى إليها، فمن ذلك ما يلي( 45): 
1- الاستعانة بالله عز و جل: وذلك بإحسان الصلة به؛ عبادةً ودعاءً والتزامًا بما شرع، عسى أن يوفقك ويعينك على برهما. 
2- استحضار فضائل البر وعواقب العقوق: فإن معرفة ثمرات البر واستحضار حسن عواقبه من أكبر الدواعي إلى فعله وتمثله والسعي إليه. 
كذلك النظر في عواقب العقوق، وما يجلبه من همٍّ وغمٍّ وحسرةٍ وندامةٍ، كل ذلك مما يعين على البر ويقصر عن العقوق. 
3- استحضار فضل الوالدين على الإنسان: فهما سبب وجوده في هذه الدنيا، وهما اللذان تعبا من أجله، وأولياه خالص الحنان والمودة، وربياه حتى كبر؛ فمهما فعل الولد معهما فلن يستطيع أن يوفيهما حقهما، فاستحضار هذا الأمر مدعاة للبر. 
4- توطين النفس على البر: فينبغي للمرء أن يوطن نفسه على بر والديه، وأن يتكلف ذلك ويجاهد نفسه عليه؛ حتى يصبح سجيةً له وطبعًا. 
5- تقوى الله في حال الطلاق: فعلى الوالدين إن لم يقدر بينهما وفاق وحصل بينهما الطلاق أن يوصي كل واحد منهما الأولاد ببر الآخر، وألا يقوم كل واحد منهما بتأليب الأولاد على الآخر؛ لأن الأولاد إذا ألفوا العقوق صار الوالدان ضحية لذلك، فشقوا وأشقوا الأولاد. 
6- صلاح الآباء: فصلاحهم سبب لصلاح أبنائهم وبرهم بهم. 
7- التواصي بالبر: وذلك بتشجيع البررة وتذكيرهم بفضائل البر، ونصح العاقين وتذكيرهم بعواقب العقوق. 
8- إعانة الأولاد على البر: وذلك بأن ينبعث الآباء إلى إعانة أولادهم على البر، وذلك بتشجيعهم وشكرهم والدعاء لهم. 
كان هناك أب لا يطيق أولاده وأحفاده أن يفارقوه طرفة عين؛ حتى بعد أن تعدى المائة؛ فهم يبرونه أعظم البر، ويتنافسون في خدمته، بل ويتلذذون بذلك. 
ومن أعظم الأسباب الحاملة لهم على بر والدهم - بعد توفيق الله - أن ذلك الوالد كان نعم المعين لهم على بره، حيث كان محبا لأولاده، كثير الدعاء لهم، حريصا على شكرهم والثناء عليهم وإدخال السرور على نفوسهم، ومناداتهم بأحب الأسماء إليهم. 
9- أن يضع الولد نفسه موضع الوالدين: فهل يسرك أيها الولد غدا إذا أصابك الكبر ووهن العظم منك واشتعل الرأس شيبا وعجزت عن الحراك - أن تلقى من أولادك المعاملة السيئة والإهمال القاسي والتنكر المحض؟ ! 
10- قراءة سير البارين والعاقين: فسير البارين مما يشحذ الهمة، ويذكي العزيمة، ويبعث على البر، وقراءة سير العاقين وما نالهم من سوء المصير، تنفر عن العقوق، وتبغض فيه، وتدعو إلى البر وترغب فيه. 
11- استشعار فرح الوالدين بالبر وحزنهما من العقوق: فلو استشعر الإنسان ذلك الأمر لانبعث إلى البر، ولانزجر عن العقوق، وصدق من قال: 
لو كان يدري الابن أية غصة
أم تهيم بوجده حيرانة
يتجرعان لبينه غصص الردى
لرثا لأم سل من أحشائها
ولبدل الخلق الأبي بعطفه
قد جرعت أبويه بعد فراقه
وأب يسح الدمع من آماقه
ويبوح ما كتماه من أشواقه
وبكى لشيخ هام في آفاقه
وجزاهما بالعذب من أخلاقه( 46)
حقوق الوالدين(47 ):
لن يستطيع الأبناء والبنات مجازاة الآباء والأمهات على ما قاموا به نحوهم من الطفولة إلى الرجولة من عطف ورعاية وتربية وعناية إلا أن يجد الولد الوالدَ مملوكًا فيشتريه فيعتقه، كما قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: «لا يجزي ولد والده إلا أن يجده مملوكًا فيشتريه فيعتقه»( 48)، لو صح أن يجد الولد والده عبدًا ومملوكًا فيشتريه فيعتقه لجزاه بما فعله معه وبما قام به نحوه من التربية والعناية والعطف والرعاية، على أن الفضل دائمًا للمتقدم بالفضل، وهو الوالدان.
إن للوالدين حقوقًا وواجباتٍ نشير إلى بعضها، رجاء أن يثمر ذلك عملاً صالحًا، وبرًا حانيًا، فلئن كانت النفوس السوية مجبولة على حب من أحسن إليها، فإن من شرائع الدين وسمات المروءة وضرورات العقل أن يقابل الإحسان بالإحسان، قال الله تعالى: ﴿هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ﴾(49 )، ومن حقوق الوالدين:
1- محبتهما وتوقيرهما على من سواهما: فإن أبا هريرة رضي الله عنه أبصر رجلين فقال لأحدهما: ما هذا منك؟ فقال: أبي، فقال: (لا تسمه باسمه، ولا تمشِ أمامه، ولا تجلس قبله)(50 ). وقال طاووس: من السنة أن يوقر أربعة: العالم، وذو الشيبة، والسلطان، والوالد، ومن الجفاء أن يدعو الرجل والده باسمه. 
2- الإحسان إليهما بالقول والعمل والحال: كما قال الله سبحانه وتعالى: ﴿وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾( 51).
3- الدعاء لهما في الحياة وبعد الممات: قال الله سبحانه وتعالى: ﴿وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا﴾( 53)، وفي الحديث: «إن الله عز و جل ليرفع الدرجة للعبد الصالح في الجنة، فيقول: يا رب، أنى لي هذه؟ فيقول: باستغفار ولدك لك»( 52)، وعن محمد بن سيرين قال: كنا عند أبي هريرة رضي الله عنه ليلة فقال: اللهم اغفر لأبي هريرة ولأمه ولمن استغفر لهما، قال محمد: فنحن نستغفر لهما حتى ندخل في دعوة أبي هريرة رضي الله عنه. 
4- صلة أهل ودهما: فقد روي عن ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعًا: «إن من أبرّ البر صلة الرجل أهل ودِّ أبيه»( 54).
5- النفقة عليهما إذا كانا محتاجين للنفقة: وعند الولد ما يزيد على حاجته، قال شيخ الإسلام رحمه الله: «على الولد الموسر أن ينفق على أبيه وزوجة أبيه وعلى إخوته الصغار، وإن لم يفعل ذلك كان عاقًا لأبيه، قاطعًا لرحمه، مستحقًا لعقوبة الله في الدنيا والآخرة».
6- التواضع لهما وخفض الجناح: قال الله سبحانه وتعالى: ﴿إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا (23) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا﴾( 55).
8- قضاء دينهما والحج عنهما والوفاء بنذرهما: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أتى النبي صلى الله عليه و سلم رجل فقال: إن أبي مات وعليه حجة الإسلام أَفأحُجّ عنه؟ قال: «أرأيت لو أن أباك ترك دينا أقضيته عنه؟» قال: نعم، قال: «فاحجج عن أبيك»( 56).
9- مساعدتهما في الأعمال: فلا يليق بالولد أن يرى والديه يعملان وهو ينظر إليهما دون مساعدة لهما. 
10- البعد عن إزعاجهما: سواء إذا كانا نائمين، أو إزعاجهما بالضوضاء والصخب ورفع الصوت، أو بالأخبار المحزنة أو غير ذلك من ألوان الإزعاج. 
11- تجنب الشجار وإثارة الجدل أمامهما: وذلك بالحرص على حل المشكلات مع الإخوة وأهل البيت عموما بعيدا عن أعينهما. 
12- تلبية ندائهما بسرعة: سواء كان الإنسان مشغولا أم غير مشغول؛ فبعض الناس إذا ناداه أحد والديه وكان مشغولا تظاهر بأنه لم يسمع الصوت، وإن كان فارغا أجابهما. 
أصم عن الأمر الذي لا أريده 
وأسمع خلق الله حين أريد( 57) 
فاللائق بالولد أن يجيب والديه حال سماعه النداء. 
13- تعويد الأولاد على البر: وذلك بأن يكون المرء قدوة لهما، وأن يسعى قدر المستطاع لتوطيد العلاقة بين أولاده وبين والديه. 
14- إصلاح ذات البين إذا فسدت بين الوالدين: فمما يجدر بالأولاد أن يقوموا به أن يصلحوا ذات البين إذا فسدت بين الوالدين، وأن يحرصوا على تقريب وجهات النظر بينهما إذا اختلفا. 
15- الاستئذان حال الدخول عليهما: فربما كانا أو أحدهما على حالة لا يرضى أن يراه أحد وهو عليها.
16- الاستئذان منهما، والاستنارة برأيهما: سواء في الذهاب مع الأصحاب للبرية، أو في السفر خارج البلد للدراسة ونحوها، أو الذهاب للجهاد، أو الخروج من المنزل والسكنى خارجه، فإن أذنا وإلا أقصر وترك ما يريد، خصوصا إذا كان رأيهما له وجه، أو كان صادرا عن علم وإدراك. 
17- المحافظة على سمعتهما: وذلك بمخالطة الأخيار، والبعد عن الأشرار، وبمجانبة أماكن الشبه، ومواطن الريب. 
18- البعد عن لومهما وتقريعهما: وذلك إذا صدر منهما عمل لا يرضي الولد، كتقصيرهما في التربية، وكتذكيرهما بأمور لا يحبان سماعها، مما قد بدر منهما فيما مضى. 
19- العمل على ما يسرهما وإن لم يأمرا به: من رعاية للإخوة، أو صلة للأرحام، أو إصلاحات في المنزل أو المزرعة، أو مبادرة بالهدية، أو نحو ذلك مما يسرهما ويدخل الفرح على قلبيهما. 
20- فهم طبيعتهما ومعاملتهما بمقتضى ذلك: فإذا كانا أو أحدهما غضوبا أو فظا غليظا، أو كان متصفا بأي صفة لا ترتضى - كان جديرا بالولد أن يتفهم تلك الطبيعة في والديه، وأن يعاملهما كما ينبغي. 
21- برهما بعد موتهما: فمما يدل على عظم حق الوالدين، وسعة رحمة رب العالمين - أن كان بر الوالدين لا ينقطع حتى بعد الممات؛ فقد يقصر أحد من الناس في حق والديه وهما أحياء، فإذا ماتا عض يده؛ ندما على تفريطه وتضييعه لحق الوالدين، وتمنى أن يرجعا للدنيا؛ ليعمل معهما صالحا غير الذي عمل. 
ومن هنا يستطيع المسلم أن يستدرك ما قد فات، فيبر والديه وهما أموات، وذلك بأمور منها: 
أ - أن يكون الولد صالحا في نفسه. 
ب - كثرة الدعاء والاستغفار لهما. 
ج - صلة الرحم التي لا توصل إلا بهما. 
د - إنفاذ عهدهما. 
هـ - التصدق عنهما. 
هذه بعض الأمور التي يجدر بنا سلوكها في معاملة الوالدين. 
قصص وعظات:
إذا نظرنا في سيرة السلف الصالح وجدنا صفحاتٍ مشرقةً تدل على شدة اهتمامهم ببر الوالدين، فمن ذلك ما يلي: 
1– أبو هريرة رضي الله عنه: فعن أبي مرة مولى أم هانئ بنت أبي طالب: أنه ركب مع أبي هريرة إلى أرضه بالعقيق، فإذا دخل أرضه صاح بأعلى صوته: «عليك السلام ورحمة الله وبركاته يا أماه». تقول: «وعليك السلام ورحمة الله وبركاته». يقول: «رحمك الله كما ربيتني صغيرا». فتقول: «يا بني! وأنت، فجزاك الله خيرًا ورضي عنك كما بررتني كبيرا»( 58). 
2– ابن عمر رضي الله عنهما: فقد لقيه رجلٌ من الأعراب بطريق مكة، فسلم عليه عبد الله ابن عمر رضي الله عنهما، وحمله على حمارٍ كان يركبه، وأعطاه عمامةً كانت على رأسه. قال ابن دينار: فقلنا له: أصلحك الله إنهم الأعراب، وهم يرضون باليسير. فقال عبد الله ابن عمر رضي الله عنهما: إن أبا هذا كان وُدًّا لعمر بن الخطاب رضي الله عنه، وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول: «إن أبر البر صلة الولد أهل ود أبيه»( 59). 
3– حارثة بن النعمان رضي الله عنه: عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لي: «دخلت الجنة فسمعت فيها قراءة، فقلت: من هذا؟ قالوا: حارثة بن النعمان، كذلكم البر، كذلكم البر، وكان أبر الناس بأمه»( 60). 
4– كهمس بن الحسن: عن أبي عبد الرحمن الحنفي قال: رأى كهمس بن الحسن عقربًا في البيت فأراد أن يقتلها، أو يأخذها، فسبقته، فدخلت في جحر، فأدخل يده في الجحر ليأخذها، فجعلت تضربه، فقيل له ما أردت إلى هذا؟ قال: «خفت أن تخرج من الجحر، فتجيء إلى أمي، فتلدغها»(61 ). 
5– زين العابدين: وهو الحسن بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وكان من سادات التابعين - كان كثيرَ البر بأمه، حتى قيل له: إنك من أبر الناس بأمك، ولا نراك تؤاكل أمك، فقال: «أخاف أن تسير يدي إلى ما قد سبقت عينها إليه، فأكون قد عققتها»( 62).
6– محمد بن سيرين: عن حفصة بنت سيرين، قالت: كانت والدة محمد ابن سيرين حجازية، وكان يعجبها الصبغ، وكان محمدٌ إذا اشترى لها ثوبًا اشترى ألين ما يجد، فإذا كان عيدٌ صبغ لها ثيابًا، وما رأيته رافعًا صوته عليها، كان إذا كلمها كالمصغي( 63).
7- بندار المحدِّث: قال عنه الذهبي: «جمع حديث البصرة، ولم يرحل، برًّا بأمه»( 64). وقال عبد الله بن جعفر بن خاقان المروزي: «سمعت بندارًا يقول: أردت الخروجَ - أي: لطلب العلم - فمنعتني أمي، فأطعتها، فبورك لي فيه»(65 ).
وأخيرا: قال مكحول: «بر الوالدين كَفَّارة للكبائر، ولا يزال الرجل قادرًا على البر مادام في فصيلته من هو أكبر منه»( 66).
* * *
( 1)  فتح الباري، ابن حجر (4/40).
( 2)  أخرجه البخاري(2/249) رقم (2477)، ومسلم (2/696) رقم (1003).
( 3)  سورة الإسراء: الآية ٢٣.
( 4)  سورة النساء: الآية ٣٦.
( 5)  سورة البقرة: ٨٣الآية.
( 6) سورة لقمان: الآيتان ١٤ – ١٥.
( 7)  تفسير ابن كثير (3 /446).
( 8)  سورة الأنعام: الآية ٩٠.
( 9)  سورة نوح: الآية ٢٨ 
( 10)  سورة إبراهيم: الآية ٤١.
( 11)  سورة مريم: الآيتان 46-٤٧.
( 12)  سورة الصافات: الآية ١٠٢.
( 13)  سورة مريم: الآية ١٤.
( 14)  سورة مريم: الآية ٣٢.
( 15)  أخرجه النسائي في المجتبى (4/90) رقم (2034)، وابن ماجه (1/501) رقم (1572)، وأحمد في المسند (2/441) رقم (9686)، وابن حبان في صحيحه (7/440) رقم (3169)، والحاكم في المستدرك (1/531) رقم (1390).
( 16)  أخرجه أبو داود (4/337) رقم (5144)، والحاكم في المستدرك (3/717) رقم (6595).
( 17)  سورة الإسراء: ٢٣.
( 18)  سورة النساء: ٣٦.
( 19)  سورة البقرة: ٨٣.
( 20)  أخرجه الترمذي (4/310) رقم (1899)، وابن حبان (2/172) رقم (429)، والحاكم في المستدرك (4/168) رقم (7249).
( 21)  أخرجه البخاري (5/2228) رقم (5627).
( 22)  فتح الباري (10/403)، وشرح الزرقاني على الموطأ (3/20)، وحاشية السندي (6/10).
( 23)  أخرجه الحاكم في المستدرك (4/170) رقم (7258)، والطبراني في الأوسط (6/241) رقم (6295).
( 24)  أخرجه البخاري (1/197) رقم (504).
( 25)  أخرجه البخاري (2/793) رقم (2152)، ومسلم (4/2100) رقم (2743).
( 26)  أخرجه البخاري (2/728) رقم (1961)، ومسلم (4/1982) رقم (2557).
( 27)  لسان العرب ج10 ص 256. 
( 28)  أخرجه البخاري (2/848) رقم (2277)، ومسلم (3/1341) رقم (593). 
( 29)  لسان العرب ج10 ص256.
( 30)  أخرجه البخاري (6/2457) رقم (6298)، ومسلم (1/91) رقم (87).
( 31)  أخرجه البيهقي في الشعب (7892) من حديث عبد الله بن أبي أوفى  بنحوه وقال: «تفرد به فائد أبو الورقاء وليس بالقوي»، وأشار المنذري في الترغيب (3/226) لضعفه، وعزاه الهيثمي في المجمع (8/148) للطبراني وقال: «فيه فائد أبو الورقاء وهو متروك»، وقال الألباني في ضعيف الترغيب (1487): «ضعيف جدا». وعلق سماحة الشيخ عبد العزيز آل الشيخ على هذا الحديث قائلا: «هكذا يُروَى وليس ذلك بالمستحيل، فإنَّ عقوقَ الوالدين قسوةٌ في القلب، وغِلظةٌ في الطّبع، وعملٌ سيّئ».
( 32)  أخرجه مسلم (4/1978) رقم (2551).
( 33)  شرح النووي على صحيح مسلم، (16/109).
( 34)  أخرجه أبو داود (4/276) رقم (4902)، والترمذي (4/664) رقم (2511)، وابن ماجه (2/1408) رقم (4211)، وأحمد (5/36) رقم (20390)، وابن حبان (2/200) رقم (455)، والحاكم في المستدرك (2/388) رقم (3599).
( 35)  أخرجه أحمد (1/317) رقم (2917)، وابن حبان (14/68) رقم (6189).
( 36)  أخرجه البخاري (2/831) رقم (2230)، ومسلم (1/103) رقم (108). قالوا: يا رسول الله! أما مدمن الخمر فقد عرفناه، فما الديوث؟ قال: «الذي لا يبالي من دخل على أهله»، قلنا: فما الرجلة من النساء؟ قال: «التي تشبه بالرجال» (الترغيب والترهيب ج 3 ص 77).
( 37)  سبق تخريجه.
( 38)  انظر: أخلاقنا الاجتماعية، د. مصطفى السباعي، ص 166، وبر الوالدين، لعبد الرءوف الحناوي ص 143، والسلوك الاجتماعي لحسن أيوب، ص 257-259، وقرة العينين في فضائل بر الوالدين، لأم عبد الكريم، وبالوالدين إحسانا لسعاد بنت محمد فرج ص 44-48، وبر الوالدين في القرآن الكريم والسنة الصحيحة لنظام سكجها، ص 35-41 و 63-65، وفيض الرحيم الرحمن د. عبد الله الطيار ص 96، وبر الوالدين وحقوق الآباء والأبناء والأرحام لأحمد عيسى عاشور ص 33-45، والإعلام ببر الوالدين وصلة الأرحام، لإبراهيم الحازمي ص 35-41، والتكافل الاجتماعي في الشريعة الإسلامية د. محمد بن أحمد الصالح، ص 98-105. 
( 39)  سورة الإسراء: ٢٣.
( 40)  هو المسيب بن علس الضبعي. [الصناعتين الكتابة والشعر (1/ 123)، والموازنة (1/43)، ومعجم ما استعجم (3 / 936)، ولباب الآداب لأسامة بن منقذ (1/ 108)].
( 41)   تفسير الثوري ج 1 ص 171، ومصنف ابن أبي شيبة ج 5 ص 219، وتاريخ مدينة دمشق ج 40 ص 278، وسير أعلام النبلاء ج 4 ص 433.
( 42)  البخاري (5/2228) رقم (3370)، ومسلم (1/91) رقم (2064). 
( 43)  أخرجه البخارى (5/2228، رقم 5628)، ومسلم (1/92، رقم 90)، والترمذى (4/312، رقم 1902)، وقال: حسن صحيح.
(44 )  هو دعبل بن علي ديوانه (1 /85).
(45 )  وصايا للزوجين، لمحمد بن لطفي الصباغ، ص 56 -64. 
(46 )  بر الوالدين للحافظ الطرطوشي، ص 188.
(47 )  انظر: أدب المسلم في العادات والعبادات والمعاملات، لمحمد سعيد مبيض، ص 158-160، وقرة العينين في فضائل بر الوالدين، لنظام يعقوبي، ص 46-52، وتربية الأولاد في الإسلام، لعبد الله علوان،  1285-286، والإعلام في ما ورد في بر الوالدين وصلة الأرحام، للحازمي، ص 26، وبر الوالدين محمد أحمد عاشور ص 16-20، والتكافل الاجتماعي، د. محمد الصالح، ص 98-105، ووصية لقمان لابنه، علي محمد جماز، ص 23 – 33، وتوجيهات إسلامية لإصلاح الفرد والمجتمع، لمحمد جميل زينو (ج 1 / ص 81).
(48 )  أخرجه مسلم (2/1148) رقم (1510).
(49 )  سورة الرحمن: الآية ٦٠.
(50 )  أخرجه البخاري في الأدب المفرد (1/30) رقم (44)، وابن الجوزي في بر الوالدين (1/3). 
(51 )  سورة الإسراء:23، والنساء: 36، والأنعام: 151.
(52 )  سورة الإسراء:24.
(53 )  أخرجه ابن ماجه (2/1207) رقم (3660)، والدارمي (2/558) رقم (3464)، وأحمد (2/363) رقم (8743)، وابن حبان (6/311) رقم (2573).
(54 )  أخرجه مسلم (4/1979) رقم (2552).
(55 ) سورة الإسراء:23، 24.
(56 )  أخرجه أبو داود (2/162) رقم (1810)، والترمذي (3/269) رقم (930)، والنسائي في المجتبى (5/111) رقم (2621).
(57 )  الفواكه العذاب في الرد على من لم يحكم السنة والكتاب (4 /199)، وأضواء البيان (4 /129).
(58 )  رواه البخاري في الأدب المفرد (14)، وقال الألباني في صحيح الأدب المفرد: «حسن الإسناد». 
(59 )  سبق تخريجه.
(60 )  رواه الإمام أحمد 6151، وصححه الحاكم 3208، ووافقه الذهبي.
(61 )  حلية الأولياء، 6211، وانظر: سير أعلام النبلاء 6317. 
(62 )  عيون الأخبار، 3. 
(63 )  سير أعلام النبلاء 4 /6 19. 
(64 )  سير أعلام النبلاء 12144. وانظر: ترجمة بندار في السير 12- 149. 
(65 )  سير أعلام النبلاء 12. 
(66 )  مسند الحارث (زوائدالهيثمي) (2 /847)، وحلية الأولياء (5 /183)، والمطالب العالية (11/ 346).


رابط الموضوع : http://www.assakina.com/alislam/15296.html#ixzz24warRAhI

الصــــــبر





إن الحمد لله تعالى، نحمده، ونستعين به، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهدِ الله تعالى فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له؛ وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، وبعد:

فإن الصبر من الدين بمنزلة الرأس من الجسد، فلا إيمان لمن لا صبر له، ومن يتصبر يصبره الله، وما أعطي أحد عطاء خيرًا وأوسع من الصبر، وبه يظهر الفرق بين ذوي العزائم والهمم، وبين ذوي الجبن والضعف والخور، والعبد يبتلى حتى يبلغ قريبًا من مقام الأنبياء والمرسلين. قال الله سبحانه وتعالى عن عباد الرحمن: ﴿أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا﴾.

تعريف الصبر:

الصبر لغةً: هو المنع والحبس، وهو نقيض الجزع، يقال: صبر صبرًا، فهو صابر، وصبَّار، وصبِّير، وصبور. وسمي الصوم صبرًا، لما فيه من حبس النفس عن الطعام والشراب والنكاح.

وفي الاصطلاح: هو خُلقٌ فاضلٌ من أخلاق النفس، يمتنع به من فعل ما لا يحسن ولا يجمل. وهو قوّةٌ من قوى النفس التي بها صلاح شأنها، وقوام أمرها.

وقيل: هو ترك الشكوى من ألم البلوى لغير الله، لا إلى الله؛ لأن الله تعالى أثنى على أيوب عليه السلام بالصبر، بقوله: ﴿إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا﴾. مع دعائه في دفع الضر عنه بقوله: ﴿وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ﴾. 

منزلة الصبر:

الصبر نصف الدين، وهو بمنزلة الرأس من الجسد بالنسبة لهذا الدين، وكما أنه لا جسد بلا رأس؛ كذلك لا دين بلا صبر.

والصبر واجب بإجماع العلماء؛ ﴿وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ﴾. فجاء بصيغة الأمر، والأمر للوجوب. ولا يمكن للمؤمن أن يجتاز مراحل هذه الدنيا على الصراط غير صابر، ولا يرتفع إلى المقام عند ربه غير صابر شاكر.

ولقد ذكر الله عز و جل الصبر في القرآن حوالي تسعين موضعًا، وذكره سبحانه وتعالى على ستة عشر نوعًا؛ لكل نوع منها فائدة، أو ذكر لها ستة عشر فائدة في كتابه العزيز أهمها: ﴿إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾. 

أنواع الصبر: 

الصبر على الأوامر والطاعات حتى يؤديها: 

وذلك بالصبر على أدائها، وإصابة الحق فيها، بالتمسك بسنة النبي صلى الله عليه و سلم، والصبر على المداومة عليها، قال الله سبحانه وتعالى: ﴿وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ﴾. وقال عز و جل: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾. 

قال الحسن البصري رحمه الله: «أمِروا أن يصبروا على دينهم الذي ارتضاه الله لهم وهو الإسلام، فلا يدعوه لسراء ولا لضراء، ولا شدة ولا رخاء، وحتى يموتوا مسلمين، وأن يصابروا الأعداء الذين يفتنون دينهم، وأما المرابطة فهو المداومة في مكان العبادة والثبات على أمر الله فلا يضيع». 

الصبر عن المناهي والمخالفات حتى لا يقع فيها:

قال الله سبحانه وتعالى: ﴿وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ﴾. وأكثر الناس يقدر على فعل الطاعة ويصبر عليها، ولكنه لا يصبر عن المعصية، فلقلّة صبره عن المحرمات لا يوصف بأنه من الصابرين، ولا ينال درجة المجاهدين الصابرين، فلا يعصم من ورود الشهوات إلا الصبر القويّ والورع الحقيقي، والمسلم إذا لم يكن مُتّصفا بالصبر، فقد تأتي عليه ساعة تلوح له فيها لذّة عاجلة، أو منفعة قريبة، أو شهوة عابرة، أو كبيرة موبقة، فتخور عزيمته، وتضعف إرادته، ويلين صبره، ويغشى المحرّم، ويقع في الموبقات، ويشقى شقاء عظيمًا، ويلقى عذابًا أليما.

الصبر على الأقدار والمصائب حتى لا يسخطها: 

وذلك الصبر لا يكون محمودًا إلا مع الاحتساب؛ بأن يعلمَ بأنّ المصيبة مقدّرة من الله سبحانه وتعالى، وأنّ من صبر أُجِر وأمر الله نافذ، ومن جزع وتسخّط أثم وأمر الله نافذ، قال سبحانه وتعالى: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ﴾. قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: «نِعمَ العِدلان، ونِعمتِ العلاوة». يعني: أن قول الله تبارك وتعالى: ﴿أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ﴾ عدلان، يشبَّهان بعدلَي البعير في الحمل، ﴿وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ﴾ هي العلاوة، وهو ما يكون بين العِدلين.

وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: «إذا أراد الله بعبده خيرًا عجّل له العقوبةَ في الدنيا، وإذا أراد بعبده الشرَّ أمسك عنه بذنبه، حتى يُوافَى به يومَ القيامة». «وإنَّ عِظَم الجزاء مع عظم البلاء، وإنّ الله إذا أحبّ قومًا ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط».

وإذا اعترتك بلية فاصبر لها

وإذا شكوت إلى ابن آدم إنما

 صبر الكريم فإنه بك أكرم

تشكو الرحيم إلى الذي لا يرحم

حاجتنا إلى الصبر:

ومما يدفعنا للصبر، حاجتنا له، والتي تتمثل في أمرين:

أولا: طبيعة الحياة الدنيا:

فالحياة الدنيا دار بلاء، وهموم، وغموم، تذيب القلب، وتطحن البدن، فيعقوب عليه السلام فقد بصره من كثرة بكائه لفقده يوسف عليه السلام، فلم يجد غير الشكوى إلى الله سبحانه وتعالى، والصبر ملجأ: ﴿فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ﴾. 

وقد يمتحن الإنسان بالشيء وضده، كأن يكون الامتحان بالغنى والصحة، والنعمة الكثيرة، كما يكون بالفقر والأمراض وغيرها، ولهذا كان سليمان عليه السلام يقول كما حكى الله عنه في قوله سبحانه وتعالى: ﴿هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ﴾. 

وعلى هذا فما دامت الحياة امتحانًا كلّها سواء بالسراء، أو الضراء، فما علينا إلا أن نكرس جهودنا للنجاح في هذا الاختبار، لنكون إن شاء الله سبحانه وتعالى من السعداء.

الصبر مقتضى الإيمان بالقدر:

فنحن بحاجة إلى الصبر لأن مشيئة الله نافذة، فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، ومن الإنسان حتى يعترض على قضاء الله وأمره؟! جاء في الحديث القدسي: «عبدي أنت تريد وأنا أريد ولا يكون إلا ما أريد فإذا رضيت عما أريد كفيتك ما تريد وإن لم ترض بما أريد أتعبتك فيما تريد ولا يكون إلا ما أريد». 

والإيمان هو صلة بين الإنسان وربه عز و جل، ولا بد من خضوع هذه الصلة الإيمانية للابتلاء، لتمحيصها، ومعرفة صدقها من كذبها، وإن كان علم الله محيطًا بظواهر الأمور وبواطنها، كما قال الله عز و جل: ﴿وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا﴾. ولكن لحكمة الله وعدله، شاء أن يكون حساب الإنسان على عمله الشخصي، الذي يثبت للشخص ولغيره صدقه من كذبه، نسأل الله سبحانه وتعالى أن يعاملنا بلطفه لا بعدله، فقال الله سبحانه وتعالى: ﴿أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ﴾. 

فضائل الصبر: 

حث الإسلام على الصبر:

لقد اهتم الإسلام بالصبر، ورفع منزلته، وأثنى على المتحلين به، وهذا يدل على عظم أمره، لأنه أساسُ كثير من الفضائل، بل هو أصلها، فما من فضيلة إلا وهي محتاجة إليه، فالشجاعة هي الصبر على مكاره الجهاد، والعفافُ هو الصبر عن الشهوات، والحلم هو الصبر على المثيرات. لذا فالصبر من الأمور المشكورة، والأفعال الحميدة، قال الله سبحانه وتعالى: ﴿وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ﴾. 

الصبر من خلق الأنبياء:

وكان على رأس قائمة الأنبياء في هذا المجال خليل الرحمن، إبراهيم عليه السلام، الذي حكى الله عز و جل عن صبره في الدعوة إلى الله، ثم صبره وابنه إسماعيل حينما ابتلاهما الله عز و جل بالذيح: ﴿فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ (102) فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ (103) وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ (104) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ﴾.

وكذلك أيوب عليه السلام وقصته مع ما ناله من البلاء، والله سبحانه وتعالى يقول: ﴿إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ﴾. 

ثم يعقوب وابنه يوسف عليه السلام، حيث صبر يعقوب عليه السلام وقد فقد ابنه من بين يديه، فقال لهم: ﴿وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ﴾. ولما تكرر فقدانه لأخي يوسف الأصغر، لم يتدل موقفه، فقال عليه السلام: ﴿فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ﴾. وما زال يوسف يتبدل به الحال من ابتلاء إلى ابتلاء، وهو صابر، حتى أتته المثوبة الإلهية، ﴿إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ﴾. 

وهذا موسى بن عمران عليه السلام كم عالج من بني إسرائيل، وكم صابرهم وصبر على ما أصابه منهم، ونال ما نال، يقول في حقه المصطفى صلى الله عليه و سلم: «يرحم الله أخي موسى، لقد أوذي بمثل ما أوذيت به فصبر». ولقد ضرب لنا نبينا محمد صلى الله عليه و سلم أروع الأمثال في الصبر.

ثناء الله عز و جل على الصبر والصابرين:

أثنى الله عز و جل على أهل الصبر، فقال سبحانه وتعالى: ﴿وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ﴾. كما أوجب سبحانه وتعالى للصابرين محبته، فقال [جل جلاله: ﴿وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ﴾. وأخبر أنه خير لأهله.

وقد أخبر النبي صلى الله عليه و سلم أنه خير ما يعطاه العبد، فقال صلى الله عليه و سلم: «وما أعطي أحد عطاء خيرًا وأوسع من الصبر». 

الصبر مقرون بمراتب الإيمان:

وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: «إن الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد»، وأردف ذلك بقوله: «ألا إنه لا إيمان لمن لا صبر له». وذلك لأن أكثر أخلاق الإيمان لا تتم إلا بالصبر، وعن أنس رضي الله عنه مرفوعا: «الإيمان نصفان: نصف صبر، ونصف شكر». وعن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه و سلم قال: «الطهور شطر الإيمان، والحمد لله تملأ الميزان، وسبحان الله والحمد لله تملآن - أو: تملأ - ما بين السماء والأرض، والصلاة نور، والصدقة برهان، والصبر ضياء، والقرآن حجة لك أو عليك». 

وقال رسول الله صلى الله عليه و سلم: «عجبًا لأمر المؤمن، إن أمره كله خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر، فكان خيرًا له، وإن أصابته ضراء صبر، فكان خيرًا له». 

كما يتفاضل المؤمنون فيما بينهم بمقدار صبرهم، كما قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: «لمسلم الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم، خير من الذي لا يخالط الناس، ولا يصبر على أذاهم». 

للصبر أجر عظيم:

أخبر سبحانه وتعالى أن الصابرين ينالون مزيدًا من الفضل والرحمة والثواب في الدنيا والآخرة، فقال: ﴿إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾. وجاءت البشرى من الله سبحانه وتعالى، فقال: ﴿وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ (34) الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلَاةِ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ﴾. وقال سبحانه وتعالى: ﴿وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾. 

وقد جاء في الأثر: «يؤتى بأهل البلاء يوم القيامة فلا ينشر لهم ديوان ولا ينصب لهم ميزان، ويصب عليه الحسنات صبًا، فيتمنى أهل الدنيا - أهل العافية - لو كانت أجسادهم تُقرض بالمقاريض مما يرون لأهل الصبر من الخير والعافية والمنزلة». 

ومما نطقت به السنة النبوية من هذا الأجر:

عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال: «إن الله تعالى قال: إذا ابتليت عبدي بحبيبتيه ثم صبر عوضته منهما الجنة يريد عينيه». 

الصبر راحة للنفس وزيادة في العزم:

فالصبر وحده هو الذي يعصم من التخبط، ويجعل المسلم يسير متزنًا وفق منهج الإسلام في كل شؤون الحياة، فلا بد أن يوطن المسلم نفسه على احتمال المكاره دون ضجر، ومواجهة الأعباء مهما ثقلت، والصبر - كما سبق - ثلاثة أنواع: صبر على الطاعة، وصبر عن المعصية، وصبر على البلاء، وذلك هو الحياة كلها.

فالمؤمن يحتاج إلى الصبر على الطاعة لأن النفس بطبعها تنفر من العبودية، وهي شاقة على النفس مطلقًا، ثم من العبادات ما يكره بسبب الكسل، كالصلاة، ومنها ما يكره بسبب البخل كالزكاة، ومنها ما يكره بسببهما جميعًا كالحج والجهاد، فالصبر على الطاعة صبر على الشدائد.

الصبر من عناصر الرجولة:

فالصّبر - يا عباد الله - من عناصر الرجولة الناضجة، فإن أثقال الحياة لا يقوى عليها المهازيل وأنصاف الرجال، ومن أجل هذا كان نصيب القادة العظماء من العناء والبلاء مكافئًا لما أوتوا من صفات الرجولة وبلاء المعارك وتوجيه الناس إلى خالقهم وتجنيبهم الويلات والنكبات ومواطن العطب، ولما أدوا من أعمال عظيمة؛ ولهذا لما سئل رسول الله: أي الناس أشد بلاءً؟ قال رسول الله: «أشد الناس بلاء الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل، يبتلى الرجل على حسب دينه، فإن كان في دينه صلابة اشتدّ بلاؤه، وإن كان في دينه رِقة ابتلي على قدر دينه، فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض وما عليه خطيئة». 

الصبر ضرورة حياتية:

والصبر - أيها المؤمنون - ضرورة حياتية قبل أن يكون فريضة دينية شرعية، فلا نجاح في الدنيا ولا فلاح في الآخرة إلا بالصبر، فلا تحقق الآمال ولا تنجح المقاصد ولا يؤتي عمل أُكله إلا بالصبر، فلولا الصبر ما حصد الزارع زرعه، وما جنى الغارس ثمره، ولا حصَّل الساعي قصده، فكل الناجحين في الدنيا بمقاصدهم إنما حققوا آمالهم بالصبر؛ استمرؤوا المُرّ واستعذبوا العذاب، واستهانوا بالصعاب ومشوا على الشوك، ووطنوا أنفسهم على احتمال المكاره دون ضجر، وانتظار النتائج دون ملل، ومواجهة العقبات دون كلل، مضوا في طريقهم غير وانين ولا متوقفين، حاديهم في سيرهم: «من صبر ظفر». وشاعرهم يهتف مرددًا:

إني رأيت وفي الأيام تجربة

وقلّ من جد في أمر يحاوله

 للصبر عاقبةً محمودةَ الأثر

واستصحب الصبر إلا فاز بالظفر

فالصبر طريق المجد وسبيل المعالي، فالرفعة في الدنيا لا تنال إلا بركوب المشقات وتجرّع الغصص، فمن اختطّ طريقًا يبلغ به أمانيه غير هذا فقد أخطأ الطريق وضلّ السبيل، وما أصدق قول القائل:

لا تحسب المجد تمرًا أنت آكله

 لن تبلغ المجد حتى تلعق الصبرا

مواطن مأمور فيها بالصبر:

أمر سبحانه وتعالى بالتزام الصبر أمرًا مطلقًا، كما في قوله تعالى: ﴿وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ﴾. وأمر بالصبر في أمور مخصوصةٍ لشدّة الحاجة إلى الصبر فيها:

الصبر على أذى الفاجرين:

قال تبارك وتعالى: ﴿لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ﴾. 

في الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى:

كما صَبَر صلى الله عليه و سلم في الدعوة إلى الله، والصبر على ما يترتّب على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من الأذى والألم لما في ذلك من المشقّة، قال تبارك وتعالى: ﴿يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ﴾. 

الصبر في معاملة الناس:

بالصبر على مَن تتعامل معه في كلّ الأعمال لا بدّ من صبر، فالصبرُ يعينك على مصالحِ دينِك ومصالحِ دنياك، ويذلّل أمامَك الصّعاب، ويهوِّن عليك المشاقّ، ويجعلك مرتاحَ البالِ طيّبَ النفس منشرحَ الصدر، أمّا الضجَر وقلّة الصبرِ فإنّها لا تفيد خيرًا، تقضي على قوّتِك، وتملأ قلبَك همًّا وحزنًا، فتدرّع بالصّبر في كلّ الأحوال، وعسى الله أن يعينَنا وإيّاكم على كلّ خير.

ومن ذلك الأمر بالصبر لمن ولي شيئًا من أمر المسلمين قليلا كان أو كثيرًا، فقد بلغ النبي صلى الله عليه و سلم عن قوم أنهم يؤذونه بالكلام من المنافقين، فقال صلى الله عليه و سلم: «لقد أوذي أخي موسى بأكثر من هذا فصبر».

ومن ذلك صبر المسؤول على من تحت يده من موظفين، فلا بد من صبر على الناس، وليس كل أحد يقوم بواجبه خير قيام، وأخلاق الناس متفاوتة، وطباعهم متغايرة، فلا بد من صبر على الجميع، ونظر في عواقب الأمور، فإن الصابر يدرك بصبره الخير الكثير، فلا بد من صبر على الأمور كلها، ومن فقد الصبر فقد الخير في أموره كلها.

الصبر على الاتهام:

قد تُبتلَى في عِرضك، وقد يسلَّط عليك من لا حياءَ ولا إيمانَ عندَه، فصبّر نفسَك، وكُن متدرِّعًا بالصّبر، ﴿ وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ﴾، ﴿ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ﴾. 

الصبر في العشرة الزوجية:

صبر الرجل على امرأته وأخطائها، وشيء من تقصيرها لا بد من ذلك، فإنك إن أردت المرأة كاملة في كل الصفات لن تستقيم لك، والمرأة خلقت من ضلع، وأعوج ما في الضلع أعلاه، فلا بد من صبر عليها، ورضًا بشيء من أخلاقها، «لا يَفرك مؤمن مؤمنة، إن سخط منها خلقًا رضي منها آخر». 

صبر المرأة على زوجها، فلا بد للمرأة أن تصبر على زوجها، ولا تعاتبه في كل الأخطاء، بل تتحمل ما يمكنها تحمله، فذاك أدعى لدوام المحبة والمودة.

الصبر في تربية الأبناء:

فقد ترى مِن أولادك نَكدًا عليك، وقد يضجِرونك، وقد يكدّرون حياتَك، وقد يكون منهم طلباتٌ كثيرة إلى آخره، فصبرُك عليهم وحلمُك عليهم وعلاجك الأمرَ الحاضِر بالصبر والتحمّل هذا يعينك، وأمّا ضجرُك وقلّة صبرِك والتسلّط عليهم بالدّعاء عليهم فربّما تُستَجاب دعوة، فتمحقهم تلك الدّعوة، ولذا يقول صلى الله عليه و سلم: «لا تَدعوا على أنفسِكم ولا على أهليكم ولا على أموالِكم فتوافقوا مِن الله ساعةَ إجابة».

الصبر على من لك عنده حقوق:

فصبرك على الغريم والمدين لا بد منه، سيما إن كان معسرًا، فإن الصبر مطلوب، ﴿وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾. وفي الحديث قال صلى الله عليه و سلم: «من أنظر معسرًا أو وضع عنه أظله الله في ظله». 

من آداب الصبر:

الصبر عند الصدمة الأولى: 

فمن السنة ما رواه أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: «الصبر عند الصدمة الأولى»، وفي رواية: أنه صلى الله عليه و سلم أتى على امرأة تبكي على صبي لها، فقال: «اتقي الله، واصبري»فقالت: وما تبالي بمصيبتي، فلما ذهب قيل لها: إنه رسول الله، فأخذها مثل الموت، فأتت بابه فلم تجد على بابه بوابين، فقالت: يا رسول الله! لم أعرفك. قال: «إنما الصبر عند أول الصدمة»، أو قال: «عند أول الصدمة». 

الصبر على المفقود لأنه ملك لله عز و جل:

عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال: أرسلت بنت النبي صلى الله عليه و سلم إليه: أن ابنًا لي قبض، فائتنا، فأرسل يقري السلام، ويقول صلى الله عليه و سلم: «إن لله ما أخذ، وله ما أعطى، وكل عنده بأجل مسمىً، فلتصبر ولتحتسب». 

التخلق بالصبر لمن لا يطيقه:

أمر الله سبحانه وتعالى المسلم أن يستعين بالله في التخلّق بالصبر، والتمسّك بالطاعة، فقال الله تعالى: ﴿وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ﴾. وأمر الله سبحانه وتعالى المسلم أن يعوّد نفسه على خلُق الصبر في كلّ حالةٍ، فأمره بذلك، فإنّ العادةَ تساعد على الخُلُق، ففي الصحيحين قال صلى الله عليه و سلم: «ومن يتصبّر يصبِّره الله، ومن يستغن يُغنه الله».

أيا صاحبي إن رمت أن تكسب العلا

عليك بحسن الصبر في كل حالة

 وترقى إلى العلياء غير مزاحم

فما صابر فيما يروم بنادم

من الأسباب المعينة على الصبر:

التفكر في فضائل الصبر:

بأن يتذكر المرء المصاب ما في مصابه من فوائد ولطائف منجية له، فربما كان على ذنب عظيم، أوجب سخط الله، فَرَقّ قلبه بعد مصابه، وتاب، وأناب إلى الله، ورجع إلى نفسه، فعالج تقصيرها في ذات الله، وربما لم يتحقق له ذلك إلا بوقوعه في المصيبة.

ومن فضائله ما يلقاه الصابر من جزاء، وعن عطاء بن أبي رباح قال: قال لي ابن عباس رضي الله عنهما: ألا أريك امرأة من أهل الجنة؟ فقلت: بلى، قال: هذه المرأة السوداء، أتت النبي صلى الله عليه و سلم فقالت: إني أُصرع، وإني أتكشف، فادع الله تعالى لي، قال صلى الله عليه و سلم: «إن شئتِ صبرت ولك الجنة، وإن شئت دعوت الله أن يعافيك»، فقالت: أصبر، فقالت: إني أتكشف، فادع الله أن لا أتكشف، فدعا لها. 

معرفة أن الابتلاء من علامات حب الله للعبد:

وذلك سر قوله صلى الله عليه و سلم: «من يرد الله به خيرًا يصب منه». وذلك أن المتعرّض لآلام الحياة يدافعها وتدافعه، وهو أرفع عند الله تعالى درجات من المنهزم القابع، بعيدًا لا يخشى شيئًا، ولا يخشاه شيء، ولهذا ضرب لنا رسول الله صلى الله عليه و سلم المثل في المؤمن الصابر السارب في الحياة والكافر العاجز الهارب من الأعباء، فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم: «مثل المؤمن كمثل الخامة من الزرع تفيئها الريح، تصرمها مرة وتعدلها أخرى حتى يأتيه أجله، ومثل الكافر كمثل الأرزة المجذية على أصلها، لا يصيبها شيء حتى يكون انجعافها مرة واحدة». 

توطين النفس على الابتلاء:

فآدم عليه السلام سجدت له الملائكة، ثم بعد بُرهة يُخرج من الجنة. وما الابتلاء إلا عكس المقاصد وخلاف الأماني، والكل حتم يُتجرّع مرارته، ولكن ما بين مقِلٍّ ومستكثر، يُبتلى المؤمن ليهذَّب لا ليعذَّب، فتن في السراء، ومحن في الضراء، ﴿وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾. والمكروه قد يأتي بالمحبوب، والمرغوب قد يأتي بالمكروه، فلا تأمن أن توافيك المضرة من جانب المسرة، ولا تيأس أن تأتيك المسرة من جانب المضرة، قال سبحانه وتعالى: ﴿وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾. 

التأمل، والتدبر، والنظر في كتاب الله جل وعلا وسنة نبيه:

ففيهما ما تقرّ به الأعين، وتسكن به القلوب، وتطمئن إليه النفوس، ولو قارن المصاب بين ما أخذ منه وما أعطي فلا مقارنة فإنه سيجد أن ما أعطي من الأجر، والثواب، أعظم من فوات تلك المصيبة بأضعاف مضاعفة، وقِفُوا مع آية عظيمة في كتاب الله كفى بها واعظة ومسلية، عند وقوع المصائب: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ﴾. 

وعن أم سلمة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول: «ما من عبد تصيبه مصيبة فيقول: إنا لله وإنا إليه راجعون اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيرا منها إلا آجره الله في مصيبة وأخلفه خيرا منها»، قالت: ولما توفي أبو سلمة؛ قلت: ومن خير من أبي سلمة صاحب رسول الله؟! ثم عزم الله علي فقلتها، قالت: فتزوجت رسول الله.

تذكر المصيبة العظيمة بموت الرسول:

 إن كل مصيبة دون مصيبتنا بموت النبي صلى الله عليه و سلم تهون، فبموته عليه الصلاة والسلام انقطع الوحي من السماء إلى يوم القيامة، وبموته انقطعت النبوّات، وبموته ظهر الفساد في البر والبحر، وتذكر ذلك تسلية وعزاء للمصائب يقول في الحديث الصحيح: «إذا أصيب أحدكم بمصيبة فليذكر مصيبته بي فإنها أعظم المصائب». 

ويقول فيما صح عنه في سنن ابن ماجه: «يا أيها الناس أيما أحد من الناس أو من المؤمنين أصيب بمصيبة فليتعزّ بمصيبته بي عن المصيبة التي تصيبه بغيري؛ فإن أحدا من أمتي لن يصاب بمصيبة بعدي أشد عليه من مصيبتي». 

فاصبر لكل مصيبة وتجلد

واصبر كما صبر الكرام فإنها

من لم يصب ممن ترى بمصيبة؟

فإذا ذكرت مصيبة ومصابها

 واعلم بأن المرء غير مخلد

نوبُ اليوم تُكشَف في غدِ

هذا سبيل لستَ عنه بأوحد

فاذكر مصابك بالنبي محمد

أن يعلم المصاب علم اليقين أن كل مصيبة بقدر:

 قال سبحانه وتعالى: ﴿مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (22) لِكَيْ لَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آَتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ﴾. 

فيا أيها المصاب، المصيبة واقعة، فوطن نفسك على أن كل مصيبة تأتي إنما هي بإذن الله عز و جل وقضائه وقدره فإن الأمر له، فإنه كتب مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك أو يضروك فلن يحصل ذلك إلا بشيء قد كتبه الله لك أو عليك.

العلم بأن الجزع من المصيبة لا يردها بل يضاعفها:

فالمصاب إذا جزع فجزعه مصيبة ويغضب ربه، ويحبط أجره، كما في حديث النبي صلى الله عليه و سلم، حيث مر بامرأة تبكي عند قبر، فقال: «اتقي الله واصبري»، فقالت: إليك عني فإنك لم تصب بمصيبتيَ، ولم تعرفه، فقيل لها: إنه النبي فأتت باب النبي فلم تجد عنده بوابين، فقالت: لم أعرفك، وسوف أصبر يا نبي الله، فقال لها: «إنما الصبر عند الصدمة الأولى».

فإذا ابتليت بمحنة فاصبر لها

وإذا ابتليت بكربة فالبس لها

لا تشكونّ إلى العباد فإنما

 صبر الكريم فإن ذلك أسلم

ثوب السكوت فإن ذلك أسلم

تشكو الرحيم إلى الذي لا يرحم

العلم بتفاوت المصائب في الدنيا:

ومن حصل له الأدنى من المصائب يتسلى بالأعلى والأعظم من المصائب التي أصيب بها غيره، من فقد للدين وإهمال وتقصير فيه، فهذا أعظم المصيبة، ويجب أن تعلم أيها المصاب أن هذا هو حال الدنيا إن أضحكت قليلا أبكت كثيرا، وإن سرت يوما أحزنت شهورا، وإن متعت يسيرا قنعت طويلا.

حسن التعزية للمصاب:

فإن الكلمة الطيبة للمصاب يثبت بها بإذن الله ويعان، ويعود الصبر عليه سهلا يسيرا، والمؤمن قليل بنفسه كثير بإخوانه، فإذا وجد هذا يعزيه، وهذا يسليه، سهلت عليه الأمور العظام، وكشف ما به من مصيبة، وفي الحديث الحسن أن النبي قال: «ما من مؤمن يعزي أخاه بما به إلا كساه الله من حلل الكرامة يوم القيامة». 

ولا بد من أن تكون التعزية في محلها مناسبة، فإن من الناس من إذا عزى ذكر باللوعة والمصيبة، من وفاة أو مرض ونحوهما، وما أروع الهدي النبوي والأدعية النبوية الكريمة في العزاء للمصيبة، أما كثرة الأسئلة عن المصيبة فمما يؤجج الأحزان ويؤدي إلى الشكوى إلى الخلق، وهم عاجزون عن تقديم الشفاء، فعليك أيها المصاب بكثرة الأدعية واللجوء إلى الله تعالى في كل حالك.



رابط الموضوع : http://www.assakina.com/alislam/15267.html#ixzz24wa6fYxI