lundi 16 mai 2011

التهجّم على المسلمين.. بين الغوغائية والإنصاف




سارازين وكيلك

 






غوغائية عنصرية مدروسة

الإدانة.. دفاعا عن المسلمين
"مقاتل قبليّ"

حتى الساسة المعروفون بمواقف متشدّدة بشأن التعامل مع ذوي الأصول الأجنبية في ألمانيا يجدون أنفسهم مدفوعين إلى إدانة ما صدر تباعا عن "تيلو سارازين" من مواقف وتصريحات توّجها بكتاب ضدّ المسلمين بالذات من بين ذوي الأصول الأجنبية، وإن تجنّب ذكر ذلك مباشرة في غالب الأحيان، إنّما استخدم من التعابير والصياغات ما لا يدع مجالا للشكّ.. حول من يقصدهم مباشرة بكلامه، مثل أسر "بنات الحجاب" و"القادمين من تركيا.." وما شابه ذلك، وهو يربط هؤلاء ربطا عنصريا بما يعتبره ظاهرة انتشار الغباء في ألمانيا حينا، أو العجز عن حلّ مشكلات الاندماج حينا آخر. 

غوغائية عنصرية مدروسة
لم يطرح سارّازين بمقولاته ثم بكتابه: "ألمانيا تقضي على نفسها"، جديداً في الساحة الألمانية والغربية، الفكرية والإعلامية والسياسية، فقد أصبح التهجّم على الإسلام والمسلمين بضاعة رائجة منذ تسعينات القرن الميلادي العشرين، ولم يقتصر ذلك على ما اشتهر من إساءات كاريكاتورية وبابوية فقط، فالإساءات لم تنقطع على مرّ قرون عديدة، وما زالت مستمرّة، إنّما كان التركيز عليها شبيها بالتركيز على سارّازين الآن، يختلط فيه عدد من العناصر التي تساهم في ترويجها أكثر من سواها.. من هذه العناصر:
أولا.. صدور الإساءة عن جهة لها مكانتها، وسارّازين عضو مجلس إدارة المصرف المركزي الألماني –الذي أقاله يوم 2/9/2010م- وكان وزيرا للمالية في ولاية برلين (حتى أيار/ مايو 2009م) باسم حزب الديمقراطيين الاشتراكيين..
ثانيا.. التمكّن من تحريك آلة الوسائل الإعلامية الجماهيرية، وقد استطاع سارّازين ذلك، ليس بسبب موقعه بل من خلال كتابه، إذ لم يعد الأمر مجرّد تصريح هنا وآخر هناك كما صنع عبر 15 شهرا مضت، فقد أعطى مقولاته التي تقترب بوضوح من التمييز الديني والعنصري "تنظيرا فكريا" عبر كتابه الجديد، ولم تعد خسارة منصبه مهمّة لديه، فالكتاب يضمن له ثروة غير منتظرة، وقد بات منذ الأيام الأولى يباع بأضعاف سعره بعد أن خلت المكتبات منه فور ظهوره، وعجزت دار نشره عن طباعة المزيد بالسرعة الكافية (طُبع 150 ألف نسخة مع الشروع في الطبعة الرابعة) وقال سارّازين نفسه في لقاء تلفازي مساء 1/9/2010م إنّه "يعمل الآن لرفع عدد نسخ كتابه المباعة"..
ثالثا.. "تسطيح الأفكار عبر مقولات مبسّطة" هو ما يجعلها شديدة الرواج على مستوى العامّة، وهذا ما تشير إليه صحيفة الشارع "بيلد" التي تزعم أنّ مقولاته تجد صدى إيجابيا عند سبعين في المائة من القرّاء.. كما رصدت وسائل إعلامية أخرى –مثل إذاعة "دويتشلاند فونك- ارتفاع نسبة التجاوب بين المستمعين، وصعوبة التمييز بين ما يدخل في نطاق حرية الرأي والتعبير وبين التعدّي على الآخرين وتعميم الاتهامات ضدّهم..
رابعا.. استدامة مفعول ما يطرح من مقولات، فالأصل هو أن يُقاضى مَن يطرح مواقف عنصرية، أو يمارس تهييج المشاعر الشعبية ضدّ فئة سكانية، إنّما لا يحكم القضاء دون دليل قائم على معايير قانونية، فإن كان صاحب تلك المقولات على جانب من الدّهاء مثل سارّازين، يستطيع أن يختار لما يقول صياغة يُفهم المقصود منها، ولا يعرّضه –بسهولة- للمقاضاة القانونية.
إنّما تبقى وسائله لدفع تهمة العنصرية عن نفسه ضعيفة مكشوفة، ومن ذلك أنّه جلب معه في تعريفه بكتابه أمام الصحفيين امرأةً "مسلمة" ليؤكّد أنّه لا "يعمّم" مقولاته على جميع المسلمين، ولم ينجح في ذلك حتى من الناحية الشكلية، فمن أتى بها معه، نجلاء كيليك، وهي معروفة بأنّها أسبق منه إلى التهجّم على الإسلام والمسلمين، ولم تشتهر إلاّ من خلال حرص جهات إعلامية على إبراز ما يراد إبرازه تحت عنوان "علمنة الإسلام"، وكانت قبل أن يصبح لها اسم معروف، قد اختيرت مع عدة أفراد علمانيين آخرين، لتشارك في مؤتمر الإسلام في ألمانيا على مدى ثلاث سنوات، فكان ذلك مدخلا إضافيا للترويج الدعائي لها، ولكن بلغت بمواقفها وكتاباتها الصحفية الغوغائية حدّاً ضاق به حتى العلمانيون الآخرون، بمن فيهم المسؤولون السياسيون عن المؤتمر.
إنّ خطورة مقولات التهجّم الصادرة عن سارّازين، الغوغائية جملة وتفصيلا، كامنةٌ في أنها غوغائية مدروسة، تؤدّي مفعولها، ولا يسهل الإمساك بقائلها متلبّسا باقتراف إثم التمييز العنصري.
 

الإدانة.. دفاعا عن المسلمين
الجديد في حالة سارّازين على صعيد مسلسل الإساءات إلى الإسلام والمسلمين، أنّ الساحة الألمانية –وهذا ما يسري على الغرب عموما- لم تعد خالية من المواقف المنصفة، أو المضادّة لمثل تلك التهجّمات والافتراءات، بل ربّما ساهم في ذلك ما ظهر من التوازن في القليل من ردود الأفعال الصادرة عن جهات إسلامية، إذ أنّ إدانة سارّازين وما يقول تصدر حاليا عن مجموع الطيف السياسي من اليمين إلى اليسار، من أحزاب الحكومة وأحزاب المعارضة، ومن جانب المسؤولين بدءاً بالمستشارة ميركل وصولا إلى وزير المالية شتويبلي –بحكم منصب سارّازين في مجلس إدارة المصرف المركزي- وشتويبلي الذي كان وزير الداخلية من قبل يعلم ما تعنيه تلك الافتراءات، فقد اشتغل ثلاث سنوات على أمل نجاح "مؤتمر الإسلام في ألمانيا"، وهو صاحب المشروع، بل أصبح له من الكتابات المنشورة ما يختلف مضمونه من حيث الانفتاح على الدين عموما وعلى الإسلام من منظور علماني، ما لم يكن يصدر مثله عنه من قبل.
وزير الداخلية الألماني دي ميزيير يقول إنّ سارازين تجاوز الحدود بمقولاته، مشيرا بذلك إلى زعمه أنّ اليهود يتمتعون بعنصر وراثي يجعلهم أفضل من الأوروبيين الآخرين.
رئيس حزب الديمقراطيين الاشتراكيين يصف سارازين بالغباء ويدفع حزبه إلى إطلاق العملية المعقدة عادة لفصله من الحزب.
في مجلس إدارة المصرف المركزي الألماني تردّد أنّ قرار الفصل صدر رغبةً في وضع نهاية لمسلسل "الرعب" بدلا من تحمل المسلسل بلا نهاية.
رئيس الدولة فولف –الذي يتطلّب قرار فصل سارازين توقيعه ليسري مفعوله- قال قبل صدور القرار إنّ على مجلس إدارة المصرف المركزي أن يتصرّف الآن كيلا يلحق الضرر بألمانيا عالميا أيضا (وهذا من أهم عوامل تلاقي المسؤولين على الإدانة).. وفولف أوّل من أوصل امرأة مسلمة إلى منصب وزاري عندما كان رئيس وزراء لولاية ساكسونيا قبل منصب الرئاسة.
كما تصدر الإدانة عن مختلف الكنائس، وعن مسؤولين من المجلس المركزي لليهود، ولم تعد توجد حاجة حقيقية لاحتجاجات واسعة النطاق من جانب المسلمين أنفسهم، وقد بات تعدادهم في ألمانيا زهاء أربعة ملايين ونصف، ثلاثة أرباعهم بحكم المستقرين نهائيا، وما لا يقل عن الربع من الألمان أصلا أو المتجنّسين، فلم يعد يمكن ببساطة تصنيفهم جميعا كما لو كانوا عنصرا بشريا متميزا بمواصفات سيّئة، أو بشرا من الدرجة الثانية.. وذاك محور مقولات سارّازين، وليس في هذا بحدّ ذاته خطورة مباشرة، فالروح العنصرية مرفوضة سياسيا وفكريا وشعبيا في ألمانيا، لا ينزلق إليها إلاّ قلّة لا تذكر، إنّما تكمن الخطورة في ربط سارّازين نظرته العنصرية بتعليلات تمسّ التعامل في المعيشة اليومية، وتلمس بالتالي مشكلات يعاني منها كثير من سكان ألمانيا عموما، لأسباب لا علاقة لها بالإسلام والمسلمين، كالبطالة، والفقر، وهذا ما يمكن أن يوجد قدرا من التجاوب معه من جانب "البسطاء المقهورين" معيشيا بمعنى الكلمة، وسط أجواء "التوفير المالي" على حسابهم.
 

"مقاتل قبليّ"
الجدير بالذكر أن سارّازين نفسه ينتمي إلى أسرة من خارج ألمانيا، من بلدة بورجوند وسط فرنسا، انتقلت إلى جنيف في سويسرا ثم إلى ألمانيا، اشتغل بعد تخرّجه في مؤسسة فريدريك إيبرت التابعة لحزب الديمقراطيين الاشتراكيين فانتسب إلى الحزب، وحصل على منصب في وزارة المالية عام 1975م وتنقّل في الوظائف العامّة والخاصة حتى أصبح وزيرا لمالية ولاية برلين عام 2002م، وفي آب/ أغسطس 2009م بدأت النيابة العامة في التحقيق ضدّه بتهمة استغلال منصبه لصالح أحد النوادي الخاصة، ومنذ عام 2008م بدأت تصريحاته حول العاطلين عن العمل، والمتقاعدين، تستفّز جهات عديدة، وفي إيلول/ سبتمبر 2009م صدرت تصريحاته الأبرز من سواها في معاداة ذوي الأصول العربية والتركية، فاعتبرهم "لا يريدون الاندماج.. ولا يستطيعون الاندماج" في المجتمع الألماني، قائلا: "الاندماج إنجاز مَن يعمل للاندماج، أمّا من لا يصنع شيئا فلا أعترف به، لا أعترف بمن يعيش على حساب الدولة، ويرفضها، ولا يعمل بما فيه الكفاية لتأهيل أولاده، وينتج المزيد من بنات الحجاب باستمرار".. وهي عبارة جلبت له انتقادات حادة، ليس أشدَّها قول الصحفي المعروف آرنو فيدمان في "فرانكفورتر روندشاو": "هذا ردّ فعل هيستيري على الظروف المتغيّرة في ألمانيا.. إنّه مختلّ عقليا".. ولكنّ سارّازين وجد آنذاك تأييدا من جهات يمنية شملت حتى المستشار الألماني الأسبق هلموت شميدت، المعروف بأنّه من الجناح اليميني في حزب الديمقراطيين الاشتراكيين، بينما طالبه رئيس المصرف المركزي آكسل فيبر بالاستقالة فرفض، فحدّ من صلاحياته داخل المصرف.
وأثار سارّازين الضجيج مرة أخرى بقوله في حزيران/ يونيو 2010م إنّ وسطي مستوى الذكاء في ألمانيا ينخفض بسبب الوافدين، حتى إذا صدر كتابه الأخير "طفح الكيل"، فمن المعروف مثلا أنّ المستشارة ميركل لا تتخذ مواقف علنية تجاه تصريحات فردية، لا تمثل سوى أصحابها، إلاّ أنها خرقت القاعدة هذه المرة، ووصفت مقولته عبر المتحدث باسمها، بأنّها "جارحة للغاية، ومسيئة، وغوغائية إلى حد بعيد".
الجانب العنصري الذي أثار ردود الفعل الغاضبة كامن في محور كتابه الذي يورد فيه أرقاما تتعلق بالهجرة إلى ألمانيا ومصادرها، وباختلاف نسبة الولادات بين ذوي الأصل الألماني وسواهم، ليقول "إنّ ألمانيا تفقد مواصفاتها ويزداد معدل الغباء وسطيا فيها بالطرق الطبيعية –أي الولادة- ونخسر بذلك ثقافتنا وحضارتنا وتميّزنا.. أريد أن يعيش أحفادي في ألمانيا!". "إنّ القادمين من تركيا والشرق الأوسط وإفريقيا هم أدنى بمؤهلاتهم العلمية من سواهم".
أحد هؤلاء جيم أوزديمير، فأصله من تركيا، وهو رئيس حزب الخضر حاليا، ويقول في تعليقه على سارّازين إنّه "مقاتل قبليّ، يمثل ظهوره ما يتمنّاه بن لادن أكثر من أي شيء آخر"..
إنّما لا يكتنف السرور بن لادن على ما يبدو قدر ما يكتنف اليمين الألمانيّ المتطرّف، ممّا عبّر عنه يورجن جانزل، النائب عن "الحزب القومي الألماني" بولاية ساكسونيا بقوله "هذا مؤلِّف نشر كتابا يوافق ما يراه الحزب القومي الألماني تماما، وينادي به الألمان أن يقفوا آخيرا موقف المدافع عن أنفسهم سياسيا ومدنيا ضدّ من يسرق أرضهم ويبدّل معالمها".. ولا غرابة أن ينصح ستيفان كرامر، من المجلس المركزي لليهود بألمانيا، مؤلّف الكتاب "أن ينضمّ إلى الحزب القومي الألماني، ليريح الحزب الديمقراطي الاشتراكي منه، ويعطي المعركة وجها واضحا
".


Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire