samedi 14 mai 2011

هواية النازيين الجدد... القتل بسبب اللون

هواية النازيين الجدد... القتل بسبب اللون

برلين - سمير عواد
أوقفوه أمام محطة توقف الحافلة وكانوا خمسة رجال ضد فتى في الثانية عشرة من العمر. صفعوه ثم ركلوه ثم أوقفوه وقام أحدهم بإطفاء سيجارته المشتعلة في وجهه. ثم اجبروه على أن يركع ويلعق بلسانه أحذيتهم. ثم ضربوه من جديد وتركوه ينزف دماً ويعتصر ألماً. السبب أن الفتى المسكين من أب اثيوبي وجهه أسمر غير سواه من الفتية الألمان.
جريمة عنصرية خطيرة لم تكن لها أسباب ودوافع أخرى وليس سوى أن الفتى المولود في ألمانيا داكن البشرة ثم أنه تواجد في ألمانيا الشرقية السابقة، إذ نسبة الاعتداءات ضد الأجانب عالية جداً وبصورة تزيد عنها في الشطر الألماني الغربي.
وقعت هذه الجريمة النكراء بتاريخ التاسع من يناير/كانون الثاني الماضي في قرية بويلتي القريبة من مدينة ماجد بورج ولأيام معدودة أثارت موجة سخط في أنحاء ألمانيا ثم عاد الهدوء خصوصاً للولايات الخمس الجديدة التي تشكلت بعد إعادة توحيد ألمانيا على أرض ألمانيا الشرقية السابقة وكما هي العادة، لم تجر مناقشات ولم يتم اتخاذ إجراءات كما لم تنشغل وسائل الإعلام المحلية كثيراً بهذه الجريمة.
مدينة بوتسدام (عاصمة ولاية براندنبورج) التي كانت يوما مدينة صناعة السينما في ألمانيا الشرقية السابقة، حيث فيها أكبر استديوهات السينما (بابيلسبيرج)، فجر الأحد الماضي: أمتار قليلة تفصل مسكن الضحية عن مكان وقوع جريمة عنصرية جديدة، حيث محطة توقف القطار الذي يجوب شوارع المدينة. بالقرب من المكان محلات تجارية صغيرة وحانات ولا يبعد المكان كثيراً عن قصر سانسوسي الذي يزوره السياح في عطلة نهاية الأسبوع. منذ يوم الأحد الماضي يقترن اسم مدينة بوتسدام بجريمة عنصرية بشعة مثلما اقترنت أسماء مدن ألمانية أخرى، في شقي البلاد، بجرائم عنصرية أثارت اشمئزاز العالم، مثل هويرزفردر ومولن في الشطر الشرقي ومدينة زولنغن في الشطر الغربي.
ليلة عيد الفصح حصل في المدينة ما جعل سكان مدينة بوتسدام يشعرون بصدمة. مهندس ألماني من أصل اثيوبي تعرض للضرب المبرح على أيدي اثنين من النازيين الجدد بعد أن أهانوه وشتموه فقط بسبب لون بشرته السمراء. وصفت الجريمة العنصرية بأنها الأسوأ من نوعها في مدينة بوتسدام منذ أن تحققت وحدة ألمانيا في العام 1990. وذكر التلفزيون الألماني أن سائق تاكسي شجاع سارع لنجدة المهندس أرمياس وهو أب لطفلين واستدعى النجدة، إذ تم نقله إلى مستشفى قريب ومنذ ذلك الوقت يصارع الموت نتيجة الجروح المبرحة التي تعرض لها خصوصاً في الرأس. سكان مدينة بوتسدام يتتبعون نشرات الأخبار لمعرفة الوضع الصحي لأرمياس الفاقد الوعي حتى إعداد هذا التقرير. وقال الأطباء انه تعرض لكسور بليغة في الجمجمة. في عملية استمرت ساعتين اقتصوا جزءاً من الجمجمة كي يخف الورم الذي لحق بالدماغ. بمعنى آخر أن حياة أرمياس إذا قدر له أن يبقى على قيد الحياة، لن تكون مثلما كانت عليه قبل أن غادر مسكنه وودع زوجته وطفليه متوجها إلى مكان العمل فجر الأحد الأسود الماضي. سيحاول الأطباء إعادة لصق الجزء من الجمجمة بعد أن يخف ورم الدماغ لكن لا أحد يستطيع التنبؤ بحالة أرمياس.
لم يتقدم شهود لشرطة المدينة حتى اليوم. لكن التلفزيون الألماني بث رسالة صوتية مسجلة على الهاتف النقال الخاص بزوجته. فقد اتصل بها أرمياس قبل وقت قصير من تعرضه للاعتداء لكن زوجته لم ترد على المكالمة وكل ما يسمعه المرء من المكالمة المسجلة ضجيج الشارع وصوت يقول: اسمع أيها الزنجي ويرد أرمياس عليه: لماذا تناديني بالزنجي؟ ثم يصدر ضجيج جديد وبعد دقيقتين تنقطع المكالمة.
ولد أرمياس في اثيوبيا. يعيش منذ 20 سنة في مدينة بوتسدام ويحمل الجنسية الألمانية منذ سنوات طويلة. متزوج من مواطنة بوتسدامية ولهما طفلان صغيران. درس أرمياس في هذه المدينة ويعمل مهندساً في مشروعات المياه وكان يستعد لإنهاء أطروحته لنيل شهادة الدكتوراه. لولا تعرض أرمياس لهذا الاعتداء الآثم لكان نموذجا للمواطن الأجنبي الذي حقق الاندماج على أكمل وجه في المجتمع الألماني. كون أرمياس مازال على قيد الحياة فهذا يعود إلى سائق تاكسي شاهده وهو يتحدث مع رجلين حين كان في طريقه إلى أحد الزبائن وفي طريق العودة وجد أرمياس ممددا على الأرض إذ توقف على الفور ولاذ المعتديان بالفرار. يعتقد أن أحدهما امرأة. في الغضون تسلم المدعي العام الفيدرالي التحقيق بالجريمة وسيجرى عرض التسجيل الصوتي على شبكة الانترنت للتوصل إلى المجرمين.
في الوقت الذي سارعت فيه شرطة المدينة للتأكيد أنها حال فريدة غير أن هذه الجريمة تأتي في سياق مسلسل لجرائم عنصرية تشهدها مدينة بوتسدام منذ وقت إلى حد يمكن القول ان المدينة تعاني من مشكلات بسبب الاعتداءات التي ينفذها النازيون الجدد وفي الغالب فإن ضحاياهم من المواطنين الأجانب بغض النظر عن السن والجنس كما أوضحت جريمة الاعتداء على الفتى الألماني من أصل اثيوبي في يناير الماضي. في الصيف الماضي وقعت صدامات قوية بين جماعات ألمانية يمينية متطرفة وجماعات ألمانية يسارية. قبل أسابيع قليلة أدانت محكمة بوتسدام أربعة من الشبان المحسوبين على النازيين الجدد قاموا بمؤازرة ستة رجال من النازيين الجدد بالاعتداء على شابين ينتميان إلى اليسار الألماني.
كما هي العادة يحاول السياسيون التقليل من خطورة المتطرفين الألمان مثلما يفعل عمدة بوتسدام الأعلى يان ياكوبس الذي قال إنه يستبعد وجود صلة بين الجريمتين، لكنه يعرف أيضاً أن التوصل إلى المعتدين على أرمياس سيستغرق وقتا طويلا وحتى يتم ذلك ويجلس المعتديان في السجن ستظل مدينة بوتسدام تعاني من السمعة السيئة التي لحقت بها. أصبحت بوتسدام كغيرها من مدن ألمانيا الشرقية، يجازف المواطن الأجنبي بحياته خصوصاً إذا كان داكن البشرة إذا خرج ليقضي حاجة في الليل. وأعلنت رابطة أطباء بعد وقوع الاعتداء العنصري على أرمياس إلغاء مؤتمر كان مقررا عقده في المدينة وقال عمدة المدينة الأعلى إنه بصدد التحضير لحملة تؤكد أن مدينته منفتحة على العالم وأنها ترحب بالمواطنين الأجانب وأنها تناهض اليمين المتطرف الألماني.
قبل نصف عام تصرف سكان بوتسدام كما توقعه المرء منهم. إذ نظموا مسيرة مضادة في شوارع مدينتهم ردا على مسيرة شارك فيها 200 من النازيين الجدد. وقام 500 من سكان المدينة بقطع طريق مسيرة النازيين الجدد ما أدى إلى وقف زحفها وعاد النازيون الجدد إلى محطة القطارات ومنها إلى برلين. كانت محطة القطارات نفسها التي جرى على أرضها الاعتداء على المهندس الألماني من أصل اثيوبي أرمياس. أم.
العنف ضد الأجانب في ألمانيا الشرقية السابقة له تاريخ طويل بمثل عمر الوحدة الألمانية خصوصاً في ولاية براندنبورج القريبة من العاصمة (برلين). إضافة لوجود جماعات خطرة هناك جماعات ألمانية مناهضة لليمين المتطرف عوضا عن مبادرات شعبية وحكومية تقف في مواجهة النازيين الجدد. راح أول ضحية جريمة عنصرية بعد الوحدة شاب من أنغولا وكان هذا في العام 1990، إذ قامت مجموعة من الشبان ذوي الرؤوس الحليقة بضربه داخل حافلة ثم رموه منها. في العام 1992 هاجم النازيون الجدد مأوى للاجئين في بلدة إيبارسفالدي وقيل حينها أن سكان المدينة جمعوا المال ليكافئوا منفذي الجريمة. وفي العام 1994 رمى متطرفون ألمان شابا من غانا من قطار سريع.
في العام 1996 اعتدى نازيون جدد في بلدة مالو على عامل بناء بريطاني من أصل جامايكي وتسببوا بإصابته بالشلل مدى الحياة. في العام نفسه اعتدوا على عامل بناء إيطالي ضربوه بعصي لعبة البيسبول وتسببوا بإصابته بعاهة دائمة. في العام 1998 تسبب النازيون الجدد في بلدة جوبن بوفاة شاب جزائري يدعى عمر بن نوي نزف حتى الموت. في العام 2002 رمى النازيون الجدد حجرا وزنه 18 كلغ على مهاجر ألماني من أوروبا الشرقية قتل على الفور. في العام نفسه قتل شاب محسوب على اليسار المتطرف على أيدي مجموعة من النازيين الجدد ولم يتجاوز عمره 16 سنة. هذا الصيف تستضيف ألمانيا بطولة العالم لكرة القدم تحت شعار «العالم في ضيافة اصدقاء». منذ اليوم تحذر البعثات الدبلوماسية الأجنبية رعاياها من السفر إلى مناطق الشطر الشرقي كي لا يتعرضوا للمصير الذي تعرض له أرمياس وغيره من ضحايا الحقد الأعمى نفسه

1 commentaire: