dimanche 2 septembre 2012

جدل حول البيعة والولاء ومطالب الدولة الحديثة في المغرب





جدل حول البيعة والولاء ومطالب الدولة الحديثة في المغرب

جدل حول البيعة والولاء ومطالب الدولة الحديثة في المغرب

احتدم الجدال في المغرب حول موضوع البيعة والولاء في سياق التحولات السياسية التي تعيشها البلاد بين دعوات إلى إلغاء طقوس البيعة ومطالب باستكمال الدولة الحديثة بتحديث أسسها وإعادة صياغة علاقة الملك بالشعب على أساس تعاقد اجتماعي قائم على الدستور.




لم يسبق لحفل الولاء والبيعة في المغرب أن كان موضوع جدل إعلامي وسياسي حول شكله وطقوسه وجدواه في سياق الإصلاحات السياسية والدستورية التي تشهدها المملكة مثل ما شهده الحفل الأخير الذي احتضنته العاصمة الرباط والذي استقبل خلاله العاهل المغربي الملك محمد السادس عشرات الأشخاص، من رجال السلطة والمنتخبين والأعيان وشيوخ القبائل قدموا من مختلف جهات المملكة لتجديد البيعة.
ومازالت تداعيات هذا الجدل مستمرة باستعداد نشطاء مغاربة في أوروبا لتنظيم تظاهرة أسموها "حفل الولاء والكرامة" في باريس احتجاجا على البروتوكولات المصاحبة لحفل الولاء الرسمي، حيث يعتلي الملك صهوة جواده ويصطف أمامه العشرات ممن حضروا الحفل مرتدين جلابيب بيضاء وطرابيش حمراء، وهم ينحنون بشكل يشبه الركوع أمام الملك لإعلان ولائهم وبيعتهم له.








وفي الوقت الذي ما زال تاريخ التجمع الاحتجاجي في باريس قيد الدرس والمشاورة، حسب ما ذكره مصدر في حركة 20 فبراير من باريس لفرانس 24، فقد بادر فاعلون ونشطاء من الحركة إلى تأسيس تجمع "افتراضي" على موقع التواصل الاجتماعي فيس بوك حمل اسم "اتحاد الصفحات المغربية الحرة " للنقاش حول الملكية في المغرب، وذلك في سياق قيام السلطات المغربية بتفريق تجمع في الرباط بالقوة قال منظموه إنه تجمع رمزي احتجاجي على حفل الولاء والبيعة، أسموه "حفل الولاء للحرية والكرامة".
 البيعة.. تجديد للعقد السياسي أم تراجع عن الدستور؟
والجدل حول البيعة وطقوسها في المغرب مفتوح على وجهتي نظر: رأي أول يعبر عنه ناشطو حركة 20 فبراير وعدد من الشخصيات السياسية داخل الأحزاب وخارجها دعا إلى أن يشمل مسار التحديث الذي تشهده البلاد تقاليد وطقوس البيعة في اتجاه تحديث العلاقة بين الملك والشعب. في المقابل تقوم وجهة النظر الثانية على اعتبار أن حفل البيعة والولاء وتفاصيله تحمل دلالات سياسية وحضارية عميقة لا يسع الدستور الجديد إلى إلغائها أو إعادة النظر فيها.
ويعكس "بيان الكرامة" الذي وقعه عدد من الشخصيات السياسية والحقوقية والمدنية في المغرب وجهة النظر الأولى، حيث دعا أصحابه إلى "إصدار قرار رسمي، يضع حدا للطقوس المصاحبة للبيعة و"التي تتنافى مع قيم المواطنة وتلحق أضرارا جسيمة بسمعة البلاد".
وقال البيان "إن البروتوكول "المخزني" من انحناء وركوع وتقبيل لأيدي الملك وأفراد أسرته لا معنى له غير إهانة كرامة المغاربة بهذه الممارسات التي ترجع إلى عهود غابرة".

وأكد البيان على أن "التعاقد بين الشعب والدولة يأخذ في البلدان الديمقراطية شكل دستور ديمقراطي يزكيه الشعب عبر استفتاء حر ونزيه، بما يجعل منه عقدا يؤسس لشرعية النظام والدولة. وهي الطريقة الوحيدة لإثبات الروابط بين المواطن و الدولة، في إطار من احترام كرامة المواطنين والمواطنات، بعيدا عن طقوس الإذلال والطاعة التي 
تتضمنها المناسبة السنوية لهذه الطقوس ببلادنا".


أما وجهة النظر الثانية فقد تم التعبير عنها من داخل الأوساط الرسمية، أبرزها ما كتبه المدير العام لوكالة المغرب العربي للأنباء الرسمية خليل الهاشمي الإدريسي الذي اعتبر "أن سوء الفهم من قبل البعض لدستور أول يوليو 2011 أدى بهم إلى الاعتقاد بأن تعديلا يمكن أن يؤثر على عقد البيعة الذي يشكل في رمزيته وجوهره أساسا للملكية المغربية. إن الأمر هنا يتعلق بخطأ في التحليل يمكن أن يخفي وراءه. في بعض الأحيان. خلفيات. أو استراتيجيات سياسوية حتى وإن كانت تغني النقاش الديمقراطي. فإنها لا تعني مصلحة الأمة في شيء".
بدوره اعتبر أحمد التوفيق، وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية في حكومة بن كيران أن البيعة وطقوسها "تجديد من لدن المغاربة للبيعة التي في عنقهم إزاء الملك باعتبارها عقدا سياسيا ودينيا شاملا"، مشيرا في تصريح للقناة الأولى المغربية في أعقاب حفل الولاء بالرباط إلى أن الأمر يتعلق ب "عقد سياسي واجتماعي وروحي وديني ورباني وسماوي متكامل" وأن "المغرب يعيش في نظام سياسي عصري لكنه مشمول بنظام ديني وروحي متكامل ورثناه عن أجدادنا، والذي أسسه الرسول صلى الله عليه وسلم".
 الإسلاميون.. البيعة أم الدستور؟
الإسلاميون المغاربة ليسوا تيارا سياسيا واحدا، على الرغم من اتفاقهم في كثير من أمور الدين والإيديولوجيا. فحزب العدالة والتنمية الذي يقود الحكومة الائتلافية الحالية ينأى بنفسه عن الجدل الدائر حول البيعة والدستور والملكية، في مسعى منه لحفظ ود العلاقة مع عاهل البلاد وضمان استقرار الأغلبية الحكومية التي يقودها.
والحزب لا يخرج في نهجه هذا عن التقليد الذي مضى فيه منذ انطلاق الاحتجاجات الأولى لحركة 20 فبراير، حيث رفض الخروج في المظاهرات واختار أن "يصلح الدولة والمجتمع" باتفاق مع المؤسسات القائمة ودون إثارة أي مشاكل مع الملكية.




بيد أن قواعد الحزب لا تخلو من بعض الأصوات التي لا تتردد في التعبير عن مواقفها المنتقدة لما يحيط بالبيعة من طقوس منها القيادي في الحزب عبد العالي حامي الدين الذي يرى "أن المغرب دولة مؤسسات تمثل الديمقراطية والإرادة الحرة، وأن الوثيقة الدستورية في المغرب هي في الواقع البيعة، وأنها ليست فوق الدستور ولا تحته بل هي الدستور نفسه".
كما يمكن الإشارة إلى ما نقلته صحيفة "أخبار اليوم" المغربية من موقف أحمد الريسوني، الرئيس السابق لحركة التوحيد والإصلاح الجناح الدعوي لحزب العدالة والتنمية، الذي انتقد تشبيه وزير الأوقاف للبيعة في المغرب ببيعة الرضوان..
أما جماعة العدل والإحسان التي تخوض حرب كر وفر دائمة مع السلطات المغربية، فلا تخفي انتقاداتها في كل فرصة سانحة للمؤسسة الملكية ولطقوس البيعة.
بيد أن انتقادات الإسلاميين المغاربة تكاد تصب جلها حول الطقوس المحيطة بالبيعة، مع احتجاج ينهل من المشروعية الدينية يمضي إلى المقارنة بين الانحناء للملك والركوع لله..
 بين البيعة والدولة الحديثة
ويعتبر د.عز الدين العلام أستاذ العلوم السياسية بكلية الحقوق بالمحمدية أن الحديث اليوم عن البيعة والولاء والطقوس المرتبطة بها، كما درجت الدولة المغربية على ممارستها، طبيعي على اعتبار أنه بات من الصعب على الدول اليوم أن تظل دولا منكفئة على ذاتها أمام الانتشار الواسع لمفاهيم الحق والمواطنة.
ويرى العلام أن البيعة التي تعتبر مصطلحا إسلاميا قديما، ترتبط ارتباطا قويا بالولاء والخضوع الكامل، وهو ما يعكس الأساس الديني للمفهوم الذي يجعل طاعة السلطان من الواجبات الدينية.
والبيعة بمفهومها هذا تتناقض مع الدولة الحديثة والعقد الاجتماعي كما نظر لها رواد الفكر السياسي الحديث، وذلك لسبب بسيط هو أن الدولة الحديثة في تكوينها ومسارها وآلياتها دولة لا دينية، وهذا لا يعني أنها تعادي الدين بل تقوم على أساس الانتماء الوطني وليس الانتماء الديني، كما يفسر ذلك المفكر جون بودان.
كما أن البيعة، يضيف العلام، بأساسها الديني تتناقض مع مفهوم العقد أو التعاقد الاجتماعي الذي تقوم عليه الدولة الحديثة، وذلك لأن البيعة والولاء يلغيان أهم حق في التعاقد الاجتماعي كما فسره جون لوك وهو حق المقاومة إذا خرجت الدولة عن التعاقد الاجتماعي.
وانتقد أستاذ العلوم السياسية ما اعتبره نقصا يشوب التحليل السياسي في المغرب، هو غياب مقاربات الطقوس والرموز مقابل الحضور الكبير لتحليل المضمون والقوانين، وذلك بالنظر للأهمية التي تحملها الطقوس والرموز في السياسة المغرب.
وخلص العلام إلى أن الجدل الذي يعيشه المغرب اليوم حول البيعة وطقوسها يبطن مسألة هامة هي الانتقال إلى الدولة الحديثة ودولة المؤسسات في سياق انتقال سياسي قد يسمح بالقول إن هناك أشياء سادت بالأمس وبدأت في الاختفاء اليوم..


Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire